الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } * { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } * { وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَقَدْ دَّخَلُواْ بِٱلْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ } * { وَتَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }

أي: { قُلْ } يا أيها الرسول: { يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ } ملزماً لهم، إن دين الإسلام هو الدين الحق، وإن قدحهم فيه قدح بأمر ينبغي المدح عليه: { هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } أي: هل لنا عندكم من العيب إلا إيماننا بالله، وبكتبه السابقة واللاحقة، وبأنبيائه المتقدمين والمتأخرين، وبأننا نجزم أن مَنْ لم يؤمن كهذا الإيمان فإنه كافر فاسق؟ فهل تنقمون منا بهذا الذي هو أوجب الواجبات على جميع المكلفين؟!! ومع هذا فأكثركم فاسقون، أي: خارجون عن طاعة الله، متجرئون على معاصيه، فأولى لكم - أيها الفاسقون - السكوت، فلو كان عيبكم وأنتم سالمون من الفسق، وهيهات ذلك - لكان الشر أخف من قدحكم فينا مع فسقكم. ولما كان قدحهم في المؤمنين يقتضي أنهم يعتقدون أنهم على شر، قال تعالى: { قُلْ } لهم مخبراً عن شناعة ما كانوا عليه: { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ } الذي نقمتم فيه علينا، مع التنزل معكم. { مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ } أي: أبعده عن رحمته { وَغَضِبَ عَلَيْهِ } وعاقبه في الدنيا والآخرة { وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ } وهو الشيطان، وكل ما عُبِدَ من دون الله فهو طاغوت. { أُوْلَـٰئِكَ } المذكورون بهذه الخصال القبيحة { شَرٌّ مَّكَاناً } من المؤمنين الذين رحمة الله قريب منهم، ورضي الله عنهم وأثابهم في الدنيا والآخرة، لأنهم أخلصوا له الدين. وهذا النوع من باب استعمال أفعل التفضيل في غير بابه وكذلك قوله: { وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } أي: وأبعد عن قصد السبيل. { وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا } نفاقاً ومكراً { و } هم { وَقَدْ دَّخَلُواْ } مشتملين على الكفر { وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ } فمدخلهم ومخرجهم بالكفر - وهم يزعمون أنهم مؤمنون، فهل أشر من هؤلاء وأقبح حالاً منهم؟!! { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ } فيجازيهم بأعمالهم خيرها وشرها. ثم استمر تعالى يعدد معايبهم، انتصاراً لقدحهم في عباده المؤمنين، فقال: { وَتَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ } أي: من اليهود { يُسَارِعُونَ فِي ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ } أي: يحرصون، ويبادرون المعاصي المتعلقة في حق الخالق والعدوان على المخلوقين. { وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ } الذي هو الحرام. فلم يكتف بمجرد الإخبار أنهم يفعلون ذلك، حتى أخبر أنهم يسارعون فيه، وهذا يدل على خبثهم وشرهم، وأن أنفسهم مجبولة على حب المعاصي والظلم. هذا وهم يدعون لأنفسهم المقامات العالية. { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } وهذا في غاية الذم لهم والقدح فيهم. { لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ } أي: هلا ينهاهم العلماء المتصدون لنفع الناس، الذين مَنَّ الله عليهم بالعلم والحكمة - عن المعاصي التي تصدر منهم، ليزول ما عندهم من الجهل، وتقوم حجة الله عليهم، فإن العلماء عليهم أمر الناس ونهيهم، وأن يبينوا لهم الطريق الشرعي، ويرغبونهم في الخير ويرهبونهم من الشر { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }.