الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ ٱلزَّكَاةَ وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } * { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

يخبر تعالى أنه أخذ على بني إسرائيل الميثاق الثقيل المؤكد، وذكر صفة الميثاق وأجرهم إن قاموا به، وإثمهم إن لم يقوموا به، ثم ذكر أنهم ما قاموا به، وذكر ما عاقبهم به، فقال: { وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } أي: عهدهم المؤكد الغليظ، { وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً } أي: رئيساً وعريفاً على من تحته، ليكون ناظراً عليهم، حاثاً لهم على القيام بما أُمِرُوا به، مطالباً يدعوهم. { وَقَالَ ٱللَّهُ } للنقباء الذين تحملوا من الأعباء ما تحملوا: { إِنِّي مَعَكُمْ } أي: بالعون والنصر، فإن المعونة بقدر المؤنة. ثم ذكر ما واثقهم عليه فقال: { لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ } ظاهراً وباطناً، بالإتيان بما يلزم وينبغي فيها، والمداومة على ذلك { وَآتَيْتُمُ ٱلزَّكَاةَ } لمستحقيها { وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي } جميعهم، الذين أفضلهم وأكملهم محمد صلى الله عليه وسلم، { وَعَزَّرْتُمُوهُمْ } أي: عظمتموهم، وأديتم ما يجب لهم من الاحترام والطاعة { وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } وهو الصدقة والإحسان، الصادر عن الصدق والإخلاص وطيب المكسب، فإذا قمتم بذلك { لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } فجمع لهم بين حصول المحبوب بالجنة وما فيها من النعيم، واندفاع المكروه بتكفير السيئات، ودفع ما يترتب عليها من العقوبات. { فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ } العهد والميثاق المؤكد بالأيمان، والالتزامات المقرون بالترغيب بذكر ثوابه. { فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } أي: عن عمد وعلم، فيستحق ما يستحقه الضالون من حرمان الثواب، وحصول العقاب. فكأنه قيل: ليت شعري ماذا فعلوا؟ وهل وفوا بما عاهدوا الله عليه أم نكثوا؟ فبيّن أنهم نقضوا ذلك فقال: { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ } أي: بسببه عاقبناهم بعدة عقوبات: الأولى: أنا { لَعنَّاهُمْ } أي: طردناهم وأبعدناهم من رحمتنا، حيث أغلقوا على أنفسهم أبواب الرحمة، ولم يقوموا بالعهد الذي أخذ عليهم، الذي هو سببها الأعظم. الثانية: قوله: { وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً } أي: غليظة لا تجدي فيها المواعظ، ولا تنفعها الآيات والنذر، فلا يرغبهم تشويق، ولا يزعجهم تخويف، وهذا من أعظم العقوبات على العبد، أن يكون قلبه بهذه الصفة التي لا يفيده الهدى، والخير إلا شراً. الثالثة: أنهم { يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ } أي: ابتلوا بالتغيير والتبديل، فيجعلون للكلم الذي أراد الله معنى غير ما أراده الله ولا رسوله. الرابعة: أنهم { وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } فإنهم ذكروا بالتوراة، وبما أنزل الله على موسى، فنسوا حظاً منه، وهذا شامل لنسيان علمه، وأنهم نسوه وضاع عنهم، ولم يوجد كثير مما أنساهم الله إياه عقوبة منه لهم. وشامل لنسيان العمل الذي هو الترك، فلم يوفقوا للقيام بما أمروا به، ويستدل بهذا على أهل الكتاب بإنكارهم بعض الذي قد ذكر في كتابهم، أو وقع في زمانهم، أنه مما نسوه. الخامسة: الخيانة المستمرة التي { لاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ } أي: خيانة لله ولعباده المؤمنين.

السابقالتالي
2