الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }

هذا ذم للمشركين الذين شرعوا في الدين ما لم يأذن به الله، وحرموا ما أحله الله، فجعلوا بآرائهم الفاسدة شيئاً من مواشيهم محرماً، على حسب اصطلاحاتهم التي عارضت ما أنزل الله فقال: { مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ } وهي: ناقة يشقون أذنها، ثم يحرمون ركوبها ويرونها محترمة. { وَلاَ سَآئِبَةٍ } وهي: ناقة، أو بقرة، أو شاة، إذا بلغت شيئاً اصطلحوا عليه، سيبوها فلا تركب ولا يحمل عليها ولا تؤكل، وبعضهم ينذر شيئاً من ماله يجعله سائبة. { وَلاَ حَامٍ } أي: جمل يحمى ظهره عن الركوب والحمل، إذا وصل إلى حالة معروفة بينهم. فكل هذه مما جعلها المشركون محرمة بغير دليل ولا برهان وإنما ذلك افتراء على الله، وصادرة من جهلهم وعدم عقلهم، ولهذا قال: { وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } فلا نقل فيها ولا عقل، ومع هذا فقد أعجبوا بآرائهم التي بنيت على الجهالة والظلم. فإذا دعوا { إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ } أعرضوا فلم يقبلوا، و { قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ } من الدين، ولو كان غير سديد، ولا ديناً ينجي من عذاب الله. ولو كان في آبائهم كفاية ومعرفة ودراية لهان الأمر. ولكن آباءهم لا يعقلون شيئاً، أي: ليس عندهم من المعقول شيء، ولا من العلم والهدى شيء. فتباً لمن قلَّد مَن لا علم عنده صحيح، ولا عقل رجيح، وترك اتباع ما أنزل الله، واتباع رسله الذي يملأ القلوب علماً وإيماناً وهدى وإيقاناً.