الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } * { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

يخبر تعالى عن مقالة الأعراب الذين دخلوا في الإسلام في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دخولاً من غير بصيرة، ولا قيام بما يجب ويقتضيه الإيمان، أنهم ادعوا مع هذا وقالوا: آمنا أي: إيماناً كاملاً، مستوفياً لجميع أموره هذا موجب هذا الكلام، فأمر الله رسوله أن يرد عليهم، فقال: { قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ } أي: لا تدَّعوا لأنفسكم مقام الإيمان، ظاهراً وباطناً، كاملاً. { وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا } أي: دخلنا في الإسلام، واقتصروا على ذلك. { وَ } السبب في ذلك، أنه { لَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } وإنما آمنتم خوفاً، أو رجاءً أو نحو ذلك، مما هو السبب في إيمانكم، فلذلك لم تدخل بشاشة الإيمان في قلوبكم، وفي قوله: { لَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } أي: وقت هذا الكلام الذي صدر منكم، فكان فيه إشارة إلى أحوالهم بعد ذلك، فإن كثيراً منهم، مَنَّ الله عليهم بالإيمان الحقيقي، والجهاد في سبيل الله، { وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } بفعل خير، أو ترك شر { لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً } أي: لا ينقصكم منها مثقال ذرة، بل يوفيكم إياها أكمل ما تكون لا تفقدون منها صغيراً ولا كبيراً، { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي: غفور لمن تاب إليه وأناب، رحيم به، حيث قبل توبته. { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ } أي: على الحقيقة { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي: من جمعوا بين الإيمان والجهاد في سبيله، فإن من جاهد الكفار، دلّ ذلك على الإيمان التام في القلب، لأن من جاهد غيره على الإسلام، والقيام بشرائعه، فجهاده لنفسه على ذلك، من باب أولى وأحرى ولأن من لم يقو على الجهاد، فإن ذلك دليل على ضعف إيمانه، وشرط تعالى في الإيمان عدم الريب، وهو الشك، لأن الإيمان النافع هو الجزم اليقيني بما أمر الله بالإيمان به، الذي لا يعتريه شك بوجه من الوجوه. وقوله: { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } أي: الذين صدقوا إيمانهم بأعمالهم الجميلة، فإن الصدق دعوى كبيرة في كل شيء يدعى يحتاج صاحبه إلى حجة وبرهان، وأعظم ذلك دعوى الإيمان الذي هو مدار السعادة، والفوز الأبدي، والفلاح السرمدي، فمن ادعاه وقام بواجباته، ولوازمه، فهو الصادق المؤمن حقاً، ومن لم يكن كذلك، علم أنه ليس بصادق في دعواه، وليس لدعواه فائدة، فإن الإيمان في القلب لا يطلع عليه إلا الله تعالى. فإثباته ونفيه من باب تعليم الله بما في القلب، وهذا سوء أدب، وظن بالله، ولهذا قال: { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } وهذا شامل للأشياء كلها، التي من جملتها ما في القلوب من الإيمان والكفران، والبر والفجور، فإنه تعالى يعلم ذلك كله ويجازي عليه، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.

السابقالتالي
2