الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً }

يقول تعالى: { لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ } وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المدينة رؤيا أخبر بها أصحابه، أنهم سيدخلون مكة ويطوفون بالبيت، فلما جرى يوم الحديبية ما جرى، ورجعوا من غير دخول لمكة، كثر في ذلك الكلام منهم، حتى إنهم قالوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألم تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ فقال: " أخبرتكم أنه العام؟ " قالوا: لا. قال: " فإنكم ستأتونه وتطوفون به " " ، قال الله هنا: { لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ } أي: لا بد من وقوعها وصدقها، ولا يقدح في ذلك تأخر تأويلها، { لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ } أي: في هذه الحال المقتضية لتعظيم هذا البيت الحرام، وأدائكم للنسك، وتكميله بالحلق والتقصير، وعدم الخوف، { فَعَلِمَ } من المصلحة والمنافع { مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ } الدخول بتلك الصفة { فَتْحاً قَرِيباً }. ولما كانت هذه الواقعة مما تشوشت بها قلوب بعض المؤمنين، وخفيت عليهم حكمتها، فبين تعالى حكمتها ومنفعتها، وهكذا سائر أحكامه الشرعية، فإنها كلها، هدى ورحمة. أخبر بحكم عام، فقال: { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ } الذي هو العلم النافع، الذي يهدي من الضلالة، ويبين طرق الخير والشر. { وَدِينِ ٱلْحَقِّ } أي: الدين الموصوف بالحق، وهو العدل والإحسان والرحمة. وهو كل عمل صالح مُزَكٍّ للقلوب، مطهِّر للنفوس، مُربٍّ للأخلاق، مُعْلٍ للأقدار. { لِيُظْهِرَهُ } بما بعثه الله به { عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ } بالحجة والبرهان، ويكون داعياً لإخضاعهم بالسيف والسنان.