الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ }

هذا من لطفه تعالى بعباده وشكره للوالدين، أن وصَّى الأولاد وعهد إليهم أن يحسنوا إلى والديهم بالقول اللطيف، والكلام اللين، وبذل المال والنفقة، وغير ذلك من وجوه الإحسان. ثم نبَّه على ذكر السبب الموجب لذلك، فذكر ما تحملته الأم من ولدها وما قاسته من المكاره وقت حملها، ثم مشقة ولادتها المشقة الكبيرة، ثم مشقة الرضاع وخدمة الحضانة، وليست المذكورات مدة يسيرة، ساعة أو ساعتين، وإنما ذلك مدة طويلة قدرها { ثَلٰثُونَ شَهْراً } للحمل تسعة أشهر ونحوها، والباقي للرضاع، هذا هو الغالب. ويستدل بهذه الآية مع قوله:وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } [البقرة: 233] أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، لأن مدة الرضاع - وهي سنتان - إذا سقطت من الثلاثين شهراً، بقي ستة أشهر، مدة للحمل { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ } أي: نهاية قوته وشبابه، وكمال عقله، { وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ } أي: ألهمني ووفقني { أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ } أي: نعم الدين، ونعم الدنيا، وشكره بصرف النعم في طاعة مسديها وموليها، ومقابلته مِنَّتَهُ، بالاعتراف والعجز عن الشكر، والاجتهاد في الثناء بها على الله، والنعم على الوالدين، نِعَم على أولادهم وذريتهم، لأنهم لا بدَّ أن ينالهم منها ومن أسبابها وآثارها، خصوصاً نِعَم الدين، فإن صلاح الوالدين بالعلم والعمل، من أعظم الأسباب لصلاح أولادهم. { وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ } بأن يكون جامعاً لما يصلحه، سالماً مما يفسده، فهذا العمل الذي يرضاه الله ويقبله، ويثيب عليه. { وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيْۤ } لما دعا لنفسه بالصلاح، دعا لذريته أن يصلح الله أحوالهم، وذكر أن صلاحهم يعود نفعه على والديهم لقوله: { وَأَصْلِحْ لِي }. { إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ } من الذنوب والمعاصي، ورجعت إلى طاعتك { وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ }. { أُوْلَـٰئِكَ } الذين ذكرت أوصافهم { ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ } وهو الطاعات، لأنهم يعملون أيضاً غيرها. { وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ } فِي جملة { أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ } فحصل لهم الخير والمحبوب، وزال عنهم الشر والمكروه. { وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ } أي: هذا الوعد الذي وعدناهم هو وعد صادقٌ من أصدق القائلين، الذي لا يخلف الميعاد.