الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ } * { أَنْ أَدُّوۤاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } * { وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِنِّيۤ آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ } * { وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَٱعْتَزِلُونِ } * { فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ } * { فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ } * { وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } * { كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } * { وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ } * { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ } * { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ } * { وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِنَ ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ } * { مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ ٱلْمُسْرِفِينَ } * { وَلَقَدِ ٱخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { وَآتَيْنَاهُم مِّنَ ٱلآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُّبِينٌ }

{ وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ } إلى آخر القصة لما ذكر تعالى تكذيب من كذب الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم، ذكر أن لهم سلفاً من المكذبين، فذكر قصتهم مع موسى، وما أحل الله بهم، ليرتدع هؤلاء المكذبون عن ما هم عليه فقال: { وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ } أي: ابتليناهم واختبرناهم بإرسال رسولنا موسى بن عمران إليهم، الرسول الكريم، الذي فيه من الكرم ومكارم الأخلاق ما ليس في غيره، { أَنْ أَدُّوۤاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِ } أي: قال لفرعون وملئه: أدوا إليَّ عباد الله، يعني بهم: بني إسرائيل، أي: أرسلوهم، وأطلقوهم من عذابكم وسومكم إياهم سوء العذاب، فإنهم عشيرتي وأفضل العالمين في زمانهم. وأنتم قد ظلمتموهم، واستعبدتموهم بغير حق، فأرسلوهم ليعبدوا ربهم، { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } أي: رسول من رب العالمين، أمين على ما أرسلني به، لا أكتمكم منه شيئاً، ولا أزيد فيه ولا أنقص، وهذا يوجب تمام الانقياد له. { وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ٱللَّهِ } بالاستكبار عن عبادته والعلو على عباد الله، { إِنِّيۤ آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } أي: بحجة بينة ظاهرة، وهو ما أتى به من المعجزات الباهرات، والأدلة القاهرات، فكذبوه وهموا بقتله، فلجأ بالله من شرهم، فقال: { وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ } أي: تقتلوني أشر القتلات، بالرجم بالحجارة. { وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَٱعْتَزِلُونِ } أي: لكم ثلاث مراتب: الإيمان بي، وهو مقصودي منكم، فإن لم تحصل منكم هذه المرتبة، فاعتزلوني لا عليَّ ولا لي، فاكفوني شركم، فلم تحصل منهم المرتبة الأولى ولا الثانية، بل لم يزالوا متمردين عاتين على الله، محاربين لنبيه موسى عليه السلام، غير ممكنين له من قومه بني إسرائيل. { فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ } أي: قد أجرموا جرماً، يوجب تعجيل العقوبة. فأخبر عليه السلام بحالهم، وهذا دعاء بالحال، التي هي أبلغ من المقال، كما قال عن نفسه عليه السلامرَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } [القصص: 24] فأمره الله أن يسري بعباده ليلاً، وأخبره أن فرعون وقومه سيتبعونه، { وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً } أي: بحاله وذلك أنه لما سرى موسى ببني إسرائيل كما أمره الله، ثم تبعهم فرعون، فأمر الله موسى أن يضرب البحر، فضربه فصار اثنى عشر طريقاً، وصار الماء من بين تلك الطرق كالجبال العظيمة، فسلكه موسى وقومه. فلما خرجوا منه، أمره الله أن يتركه رهواً، أي: بحاله ليسلكه فرعون وجنوده { إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } فلما تكامل قوم موسى خارجين منه، وقوم فرعون داخلين فيه، أمره الله تعالى أن يلتطم عليهم، فغرقوا عن آخرهم، وتركوا ما متعوا به من الحياة الدنيا، وأورثه الله بني إسرائيل، الذين كانوا مستعبدين لهم، ولهذا قال: { كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا } أي: هذه النعمة المذكورة { قَوْماً آخَرِينَ } وفي الآية الأخرى:

السابقالتالي
2