الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } * { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } * { فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ }

ينكر تعالى ويعجِّب من كفر الكافرين به، الذين جعلوا معه أنداداً يشركونهم معه، ويبذلون لهم ما يشاؤون من عباداتهم، ويسوونهم بالرب العظيم، الملك الكريم، الذي خلق الأرض الكثيفة العظيمة في يومين، ثم دحاها في يومين، بأن جعل فيها رواسي من فوقها، ترسيها عن الزوال والتزلزل وعدم الاستقرار، فكمل خلقها، ودحاها، وأخرج أقواتها، وتوابع ذلك { فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } عن ذلك، فلا ينبئك مثل خبير، فهذا الخبر الصادق الذي لا زيادة فيه ولا نقص. { ثُمَّ } بعد أن خلق الأرض { ٱسْتَوَىٰ } أي: قصد { إِلَى } خلق { ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ } قد ثار على وجه الماء، { فَقَالَ لَهَا } ولما كان هذا التخصيص يوهم الاختصاص، عطف عليه بقوله: { وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } أي: انقادا لأمري طائعتين أو مكرهتين، فلا بد من نفوذه. { قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } ليس لنا إرادة تخالف إرادتك. { فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ } فَتَمَّ خلق السماوات والأرض في ستة أيام أولها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة، مع أن قدرة اللّه ومشيئته صالحة لخلق الجميع في لحظة واحدة، ولكن مع أنه قدير، فهو حكيم رفيق، فمن حكمته ورفقه، أن جعل خلقها في هذه المدة المقدرة. واعلم أن ظاهر هذه الآية، مع قوله تعالى في النازعات، لما ذكر خلق السماوات قال:وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [النازعات: 30] يظهر منهما التعارض، مع أن كتاب اللّه لا تعارض فيه ولا اختلاف. والجواب عن ذلك ما قاله كثير من السلف، أن خلق الأرض وصورتها متقدم على خلق السماوات كما هنا، ودحي الأرض بأنأَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا } [النازعات: 31-32] متأخر عن خلق السماوات كما في سورة النازعات، ولهذا قال فيها:وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا } [النازعات: 30-31] إلى آخره ولم يقل: " والأرض بعد ذلك خلقها ". وقوله: { وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا } أي: الأمر والتدبير اللائق بها، الذي اقتضته حكمة أحكم الحاكمين. { وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ } هي النجوم يستنار بها ويُهتدى، وتكون زينة وجمالاً للسماء ظاهراً، وجمالاً لها باطناً، بجعلها رجوماً للشياطين، لئلا يسترق السمع فيها. { ذَلِكَ } المذكور، من الأرض وما فيها، والسماء وما فيها { تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ } الذي عزته قهر بها الأشياء ودبرها، وخلق بها المخلوقات. { ٱلْعَلِيمِ } الذي أحاط علمه بالمخلوقات الغائب والشاهد. فَتَرْكُ المشركين الإخلاص لهذا الرب العظيم الواحد القهار، الذي انقادت المخلوقات لأمره ونفذ فيها قدره من أعجب الأشياء، واتخاذهم له أنداداً يسوونهم به، وهم ناقصون في أوصافهم وأفعالهم أعجب وأعجب، ولا دواء لهؤلاء إن استمر إعراضهم، إلا العقوبات الدنيوية والأخروية، فلهذا خوفهم بقوله: { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ... }.