الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ }

يخبر تعالى عن فضله وكرمه، حيث أنزل كتاباً عربياً، على الرسول العربي، بلسان قومه، ليبين لهم، وهذا مما يوجب لهم زيادة الاغتناء به، والتلقي له والتسليم، وأنه لو جعله قرآناً أعجمياً بلغة غير العرب، لاعترض المكذبون وقالوا: { لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } أي: هلاّ بينت آياته، ووضحت وفسرت. { ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ } أي: كيف يكون محمد عربياً، والكتاب أعجمي؟ هذا لا يكون فنفى الله تعالى كل أمر يكون فيه شبهة لأهل الباطل عن كتابه، ووصفه بكل وصف يوجب لهم الانقياد، ولكن المؤمنون الموفقون انتفعوا به، وارتفعوا، وغيرهم بالعكس من أحوالهم. ولهذا قال: { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ } أي: يهديهم لطريق الرشد والصراط المستقيم، ويعلمهم من العلوم النافعة ما به تحصل الهداية التامة وشفاء لهم من الأسقام البدنية والأسقام القلبية، لأنه يزجر عن مساوئ الأخلاق وأقبح الأعمال، ويحث على التوبة النصوح التي تغسل الذنوب وتشفي القلب. { وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } بالقرآن { فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ } أي: صمم عن استماعه وإعراض، { وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } أي: لا يبصرون به رشداً، ولا يهتدون به، ولا يزيدهم إلاّ ضلالاً فإنهم إذا ردوا الحق، ازدادوا عمى إلى عماهم، وغيًّا إلى غيّهم. { أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } أي: ينادون إلى الإيمان ويدعون إليه فلا يستجيبون، بمنزلة الذي ينادي وهو في مكان بعيد، لا يسمع داعياً ولا يجيب منادياً. والمقصود: أن الذين لا يؤمنون بالقرآن، لا ينتفعون بهداه، ولا يبصرون بنوره، ولا يستفيدون منه خيراً، لأنهم سدوا على أنفسهم أبواب الهدى، بإعراضهم وكفرهم.