الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِيۤ آمِناً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } * { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }

الإلحاد في آيات الله: الميل بها عن الصواب بأي وجه كان: إما بإنكارها وجحودها، وتكذيب مَنْ جاء بها، وإما بتحريفها وتصريفها عن معناها الحقيقي، وإثبات معانٍ لها ما أرادها الله منها. فتوعَّد تعالى مَنْ ألحد فيها بأنه لا يخفى عليه، بل هو مطلع على ظاهره وباطنه، وسيجازيه على إلحاده بما كان يعمل، ولهذا قال: { أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي ٱلنَّارِ } مثل الملحد بآيات الله { خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِيۤ آمِناً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } من عذاب الله مستحقاً لثوابه؟ من المعلوم أن هذا خير. لمّا تبين الحق من الباطل، والطريق المنجي من عذابه من الطريق المهلك قال: { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } إن شئتم فاسلكوا طريق الرشد الموصلة إلى رضا ربكم وجنته، وإن شئتم فاسلكوا طريق الغيِّ المسخطة لربكم، الموصلة إلى دار الشقاء. { إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } يجازيكم بحسب أحوالكم وأعمالكم، كقوله تعالى:وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } [الكهف: 29]. ثم قال تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكْرِ } أي: يجحدون القرآن الكريم المذكر للعباد جميع مصالحهم الدينية والدنيوية والأخروية، المُعلي لقدر من اتبعه، { لَمَّا جَآءَهُمْ } نعمة من ربهم على يد أفضل الخلق وأكملهم. { وَ } الحال { إِنَّهُ لَكِتَابٌ } جامع لأوصاف الكمال { عَزِيزٌ } أي: منيع من كل مَنْ أراده بتحريف أو سوء، ولهذا قال: { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } أي: لا يقربه شيطان من شياطين الإنس والجِنِّ، لا بسرقة، ولا بإدخال ما ليس منه به، ولا بزيادة ولا نقص، فهو محفوظ في تنزيله، محفوظة ألفاظه ومعانيه، قد تكفل مَنْ أنزله بحفظه كما قال تعالى:إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9]. { تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ } في خلقه وأمره، يضع كل شيء موضعه، وينزلها منزلها. { حَمِيدٍ } على ما له من صفات الكمال، ونعوت الجلال، وعلى ما له من العدل والإفضال، فلهذا كان كتابه مشتملاً على تمام الحكمة، وعلى تحصيل المصالح والمنافع، ودفع المفاسد والمضار، التي يحمد عليها.