الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } * { فَلَنُذِيقَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ } * { وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلأَسْفَلِينَ }

يخبر تعالى عن إعراض الكفار عن القرآن وتواصيهم بذلك، فقال: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ } أي: أعرضوا عنه بأسماعكم، وإياكم أن تلتفتوا، أو تصغوا إليه ولا إلى مَنْ جاء به، فإن اتفق أنكم سمعتموه، أو سمعتم الدعوة إلى أحكامه، فـ { وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } أي: تكلموا بالكلام الذي لا فائدة فيه، بل فيه المضرة، ولا تمكنوا - مع قدرتكم - أحداً يملك عليكم الكلام به، وتلاوة ألفاظه ومعانيه، هذا لسان حالهم ولسان مقالهم في الإعراض عن هذا القرآن، { لَعَلَّكُمْ } إن فعلتم ذلك { تَغْلِبُونَ } [وهذه] شهادة من الأعداء، وأوضح الحق ما شهدت به الأعداء، فإنهم لم يحكموا بغلبتهم لمن جاء بالحق إلاّ في حال الإعراض عنه والتواصي بذلك، ومفهوم كلامهم، أنهم إن لم يلغوا فيه، بل استمعوا إليه، وألقوا أذهانهم، أنهم لا يغلبون، فإن الحق غالب غير مغلوب، يعرف هذا أصحاب الحق وأعداؤه. ولما كان هذا ظلماً منهم وعناداً، لم يبق فيهم مطمع للهداية، فلم يبق إلاّ عذابهم ونكالهم، ولهذا قال: { فَلَنُذِيقَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } وهو الكفر والمعاصي، فإنها أسوأ ما كانوا يعملون، لكونهم يعملون المعاصي وغيرها، فالجزاء بالعقوبة، إنما هو على عمل الشرك،وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } [الكهف: 49]. { ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ ٱللَّهِ } الذين حاربوه وحاربوا أولياءه بالكفر والتكذيب والمجادلة والمجالدة. { ٱلنَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ } أي: الخلود الدائم، الذي لا يفتر عنهم العذاب ساعة ولا هم ينصرون، وذلك { جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ } فإنها آيات واضحة، وأدلة قاطعة مفيدة لليقين، فأعظم الظلم وأكبر العناد جحدها والكفر بها. { وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ } أي: الأتباع منهم، بدليل ما بعده، على وجه الحنق على مَنْ أضلهم: { رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ } أي: الصنفين اللذين، قادانا إلى الضلال والعذاب، من شياطين الجِنِّ، وشياطين الإنس، الدعاة إلى جهنم. { نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلأَسْفَلِينَ } أي: الأذلين المهانين كما أضلونا وفتنونا، وصاروا سبباً لنزولنا. ففي هذا، بيان حنق بعضهم على بعض، وتبرِّي بعضهم من بعض.