{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ } الواضحة البينة متعجباً من حالهم الشنيعة. { أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ } أي: كيف ينعدلون عنها؟ وإلى أي شيء يذهبون بعد البيان التام؟ هل يجدون آيات بيِّنات تعارض آيات الله؟ لا والله. أم يجدون شبهاً توافق أهواءهم، ويصولون بها لأجل باطلهم؟ فبئس ما استبدلوا واختاروا لأنفسهم بتكذيبهم بالكتاب الذي جاءهم من الله، وبما أرسل الله به رسله، الذين هم خير الخلق وأصدقهم، وأعظمهم عقولاً، فهؤلاء لا جزاء لهم سوى النار الحامية، ولهذا توعدهم الله بعذابها فقال: { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ } التي لا يستطيعون معها حركة. { وٱلسَّلاَسِلُ } التي يقرنون بها هم وشياطينهم { يُسْحَبُونَ * فِي ٱلْحَمِيمِ } أي: الماء الذي اشتد غليانه وحره. { ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } يوقد عليهم اللهب العظيم فيصلون بها، ثم يوبخون على شركهم وكذبهم. ويقال { لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ } هل نفعوكم أو دفعوا عنكم بعض العذاب؟ { قَـالُواْ ضَـلُّواْ عَنَّا } أي: غابوا ولم يحضروا، ولو حضروا لم ينفعوا، ثم إنهم أنكروا فقالوا: { بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً } يحتمل أن مرادهم بذلك الإنكار، وظنوا أنه ينفعهم ويفيدهم، ويحتمل - وهو الأظهر - أن مرادهم بذلك، الإقرار على بطلان إلهية ما كانوا يعبدون، وأنه ليس للّه شريك في الحقيقة، وإنما هم ضالون مخطئون بعبادة معدوم الإلهية، ويدل على هذا قوله تعالى: { كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلْكَافِرِينَ } أي: كذلك الضلال الذي كانوا عليه في الدنيا، الضلال الواضح لكل أحد، حتى إنهم بأنفسهم، يقرون ببطلانه يوم القيامة، ويتبين لهم معنى قوله تعالى:{ وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } [يونس: 66] ويدل عليه قوله تعالى:{ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ } [فاطر: 14]{ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } الآيات [الأحقاف: 5]. ويقال لأهل النار { ذَلِكُمْ } العذاب الذي نوع عليكم { بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ } أي: تفرحون بالباطل الذي أنتم عليه، وبالعلوم التي خالفتم بها علوم الرسل وتمرحون على عباد الله، بغياً وعدواناً وظلماً وعصياناً، كما قال تعالى في آخر هذه السورة:{ فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ } [غافر: 83]. وكما قال قوم قارون له:{ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } [القصص: 76]. وهذا هو الفرح المذموم الموجب للعقاب، بخلاف الفرح الممدوح الذي قال الله فيه:{ قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } [يونس: 58] وهو الفرح بالعلم النافع والعمل الصالح. { ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ } كل بطبقة من طبقاتها على قدر عمله. { خَالِدِينَ فِيهَا } لا يخرجون منها أبداً { فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } مثوى يخزون فيه ويهانون ويحبسون ويعذبون ويترددون بين حرها وزمهريرها.