لما ذكر الأمر بإخلاص العبادة للّه وحده، وذكر الأدلة على ذلك والبينات، صرح بالنهي عن عبادة ما سواه فقال: { قُلْ } يا أيها النبي { إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } من الأوثان والأصنام، وكل ما عُبد من دون الله. ولست على شك من أمري، بل على يقين وبصيرة، ولهذا قال: { لَمَّا جَآءَنِيَ ٱلْبَيِّنَـٰتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } بقلبي ولساني وجوارحي، بحيث تكون منقادة لطاعته، مستسلمة لأمره، وهذا أعظم مأمور به على الإطلاق، كما أن النهي عن عبادة ما سواه أعظم مَنْهِيٍّ عنه على الإطلاق، ثم قرر هذا التوحيد بأنه الخالق لكم والمطور لخلقتكم، فكما خلقكم وحده فاعبدوه وحده، فقال: { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ } وذلك بخلقه لأصلكم وأبيكم آدم عليه السلام. { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } وهذا ابتداء خلق سائر النوع الإنساني، ما دام في بطن أمه، فنبه بالابتداء على بقية الأطوار، من العلقة، فالمضغة، فالعظام، فنفخ الروح، { ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } ثم هكذا تنتقلون في الخلقة الإلهية حتى تبلغوا أشدَّكم من قوة العقل والبدن، وجميع قواه الظاهرة والباطنة. { ثُمَّ لِتَكُـونُواْ شُيُوخاً وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ } بلوغ الأشد { وَلِتَبْلُغُوۤاْ } بهذه الأطوار المقدرة أجل مسمى تنتهي عنده أعماركم. { وَلَعَلَّـكُمْ تَعْقِلُونَ } أحوالكم، فتعلمون أن المطور لكم في هذه الأطوار كامل الاقتدار، وأنه الذي لا تنبغي العبادة إلا له، وأنكم ناقصون من كل وجه. { هُوَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ } أي هو المنفرد بالإحياء والإماتة، فلا تموت نفس بسبب أو بغير سبب، إلا بإذنه.{ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } [فاطر: 11]. { فَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً } جليلاً أو حقيراً { فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ } لا رد في ذلك، ولا مثنوية، ولا تمنع.