الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } * { ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ خَـٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } * { كَذَلِكَ يُؤْفَكُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَـلَ لَكُـمُ ٱلأَرْضَ قَـرَاراً وَٱلسَّمَآءَ بِنَـآءً وَصَوَّرَكُـمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ وَرَزَقَكُـمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُـمْ فَتَـبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { هُوَ ٱلْحَيُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَـٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

تدبر هذه الآيات الكريمات، الدالة على سعة رحمة الله تعالى وجزيل فضله، ووجوب شكره، وكمال قدرته، وعظيم سلطانه، وسعة ملكه، وعموم خلقه لجميع الأشياء، وكمال حياته، واتصافه بالحمد على كل ما اتصف به من الصفات الكاملة، وما فعله من الأفعال الحسنة، وتمام ربوبيته وانفراده فيها، وأن جميع التدبير في العالم العلوي والسفلي في ماضي الأوقات وحاضرها، ومستقبلها بيد الله تعالى، ليس لأحد من الأمر شىء، ولا من القدرة شيء، فينتج من ذلك، أنه تعالى المألوه المعبود وحده، الذي لا يستحق أحد غيره من العبودية شيئاً، كما لم يستحق من الربوبية شيئاً، وينتج من ذلك، امتلاء القلوب بمعرفة الله تعالى ومحبته وخوفه ورجائه، وهذان الأمران - وهما معرفته وعبادته - هما اللذان خلق الله الخلق لأجلهما، وهما الغاية المقصودة منه تعالى لعباده، وهما الموصلان إلى كل خير وفلاح وصلاح، وسعادة دنيوية وأخروية، وهما اللذان هما أشرف عطايا الكريم لعباده، وهما أشرف اللذات على الإطلاق، وهما اللذان إن فاتا فات كل خير وحضر كل شر. فنسأله تعالى أن يملأ قلوبنا بمعرفته ومحبته، وأن يجعل حركاتنا الباطنة والظاهرة، خالصة لوجهه، تابعة لأمره، إنه لا يتعاظمه سؤال، ولا يحفيه نوال. فقوله تعالى: { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ } أي: لأجلكم جعل الله الليل مظلماً، { لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } من حركاتكم، التي لو استمرت لضرت، فتأوون إلى فرشكم، ويلقي الله عليكم النوم الذي يستريح به القلب والبدن، وهو من ضروريات الآدمي لا يعيش بدونه، ويسكن أيضاً، كل حبيب إلى حبيبه، ويجتمع الفكر، وتقل الشواغل. { وَ } جعل تعالى { ٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً } منيراً بالشمس المستمرة في الفلك، فتقومون من فرشكم إلى أشغالكم الدينية والدنيوية، هذا لذكره وقراءته، وهذا لصلاته، وهذا لطلبه العلم ودراسته، وهذا لبيعه وشرائه، وهذا لبنائه أو حدادته، أو نحوها من الصناعات، وهذا لسفره براً وبحراً، وهذا لفلاحته، وهذا لتصليح حيواناته. { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ } أي: عظيم، كما يدل عليه التنكير { عَلَى ٱلنَّاسِ } حيث أنعم عليهم بهذه النِّعم وغيرها، وصرف عنهم النقم، وهذا يوجب عليهم تمام شكره وذكره، { وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } بسبب جهلهم وظلمهم.وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } [سبأ: 13] الذين يقرون بنعمة ربهم، ويخضعون للّه ويحبونه، ويصرفونها في طاعة مولاهم ورضاه. { ذَٰلِكُمُ } الذي فعل ما فعل { ٱللَّهُ رَبُّكُمْ } أي: المنفرد بالإلهية، والمنفرد بالربوبية، لأن انفراده بهذه النِّعَم، من ربوبيته، وإيجابها للشكر من ألوهيته، { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } تقرير أنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له، { خَـٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ } تقرير لربوبيته. ثم صرَّح بالأمر بعبادته فقال: { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } أي: كيف تصرفون عن عبادته، وحده لا شريك له، بعد ما أبان لكم الدليل وأنار لكم السبيل؟!! { كَذَلِكَ يُؤْفَكُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } أي: عقوبة على جحدهم لآيات الله، وتعديهم على رسله، صرفوا عن التوحيد والإخلاص، كما قال تعالى:

السابقالتالي
2