الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ حـمۤ } * { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } * { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ }

يخبر تعالى عن كتابه العظيم، بأنه صادر ومنزل من الله المألوه المعبود، لكماله وانفراده بأفعاله، { ٱلْعَزِيزِ } الذي قهر بعزته كل مخلوق، { ٱلْعَلِيمِ } بكل شيء. { غَافِرِ ٱلذَّنبِ } للمذنبين { وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ } من التائبين، { شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ } على مَنْ تجرأ على الذنوب ولم يتب منها، { ذِي ٱلطَّوْلِ } أي: التفضل والإحسان الشامل. فلما قرر ما قرر من كماله، وكان ذلك موجباً لأن يكون وحده المألوه الذي تخلص له الأعمال، قال: { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ }. ووجه المناسبة بذكر نزول القرآن من الله، الموصوف بهذه الأوصاف، أن هذه الأوصاف مستلزمة لجميع ما يشتمل عليه القرآن من المعاني. فإن القرآن: إما إخبار عن أسماء الله وصفاته وأفعاله، وهذه أسماء وأوصاف وأفعال. وإما إخبار عن الغيوب الماضية والمستقبلة، فهي من تعليم العليم لعباده. وإما إخبار عن نِعَمِهِ العظيمة، وآلائه الجسيمة، وما يوصل إلى ذلك من الأوامر، فذلك يدل عليه قوله: { ذِي ٱلطَّوْلِ }. وإما إخبار عن نِقَمِهِ الشديدة، وعما يوجبها ويقتضيها من المعاصي، فذلك يدل عليه قوله: { شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ }. وإما دعوة للمذنبين إلى التوبة والإنابة، والاستغفار، فذلك يدل عليه قوله: { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ }. وإما إخبار بأنه وحده المألوه المعبود، وإقامة الأدلة العقلية والنقلية على ذلك، والحث عليه، والنهي عن عبادة ما سوى الله، وإقامة الأدلة العقلية والنقلية على فسادها، والترهيب منها، فذلك يدل عليه قوله تعالى: { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ }. وإما إخبار عن حكمه الجزائي العدل، وثواب المحسنين، وعقاب العاصين، فهذا يدل عليه قوله: { إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ }. فهذا جميع ما يشتمل عليه القرآن من المطالب العاليات.