الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } * { ٱنظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلكَذِبَ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً }

هذا تعجيب من الله لعباده، وتوبيخ للذين يزكون أنفسهم من اليهود والنصارى، ومَنْ نحا نحوهم، من كل مَنْ زكى نفسه، بأمر ليس فيه. وذلك أن اليهود والنصارى يقولون:نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ } [المائدة: 18] ويقولون:لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [البقرة: 111] وهذا مجرد دعوى لا برهان عليها، وإنما البرهان ما أخبر به في القرآن في قوله:بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [البقرة: 112 ] فهؤلاء هم الذين زكاهم الله، ولهذا قال هنا: { بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ } أي: بالإيمان والعمل الصالح، بالتخلي عن الأخلاق الرذيلة، والتحلي بالصفات الجميلة. وأما هؤلاء فهم - وإن زكوا أنفسهم بزعمهم أنهم على شيء، وأن الثواب لهم وحدهم - فإنهم كذبة في ذلك، ليس لهم من خصال الزاكين نصيب، بسبب ظلمهم وكفرهم، لا بظلم من الله لهم، ولهذا قال: { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً }. وهذا لتحقيق العموم، أي: لا يظلمون شيئاً، ولا مقدار الفتيل الذي في شق النواة، أو الذي يفتل من وسخ اليد وغيرها. قال تعالى: { ٱنظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلكَذِبَ } أي: بتزكيتهم أنفسهم، لأن هذا من أعظم الافتراء على الله. لأن مضمون تزكيتهم لأنفسهم، الإخبار بأن الله جعل ما هم عليه حقاً، وما عليه المؤمنون المسلمون باطلاً. وهذا أعظم الكذب وقلب الحقائق بجعل الحق باطلاً، والباطلِ حقاً. ولهذا قال: { وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً } أي: ظاهراً بيناً، موجباً للعقوبة البليغة والعذاب الأليم.