الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَٰبَ ٱلسَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً }

يأمر تعالى أهل الكتاب من اليهود والنصارى، أن يؤمنوا بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل الله عليه من القرآن العظيم، المهيمن على غيره من الكتب السابقة التي قد صدقها، فإنها أخبرت به فلما وقع المخبر به كان تصديقاً لذلك الخبر. وأيضاً فإنهم إن لم يؤمنوا بهذا القرآن، فإنهم لم يؤمنوا بما في أيديهم من الكتب، لأن كتب الله يصدق بعضها بعضاً، ويوافق بعضها بعضاً. فدعوى الإيمان ببعضها دون بعض، دعوى باطلة لا يمكن صدقها. وفي قوله: { ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ } حث لهم، وأنهم ينبغي أن يكونوا قبل غيرهم مبادرين إليه، بسبب ما أنعم الله عليهم به من العلم، والكتاب الذي يوجب أن يكون ما عليهم أعظم من غيرهم، ولهذا توعدهم على عدم الإيمان فقال: { مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ } وهذا جزاء من جنس ما عملوا، كما تركوا الحق، وآثروا الباطل، وقلبوا الحقائق، فجعلوا الباطل حقاً والحق باطلاً، جوزوا من جنس ذلك بطمس وجوههم كما طمسوا الحق، وردها على أدبارها، بأن تجعل في أقفائهم وهذا أشنع ما يكون { أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَٰبَ ٱلسَّبْتِ } بأن يطردهم من رحمته، ويعاقبهم بجعلهم قردة، كما فعل بإخوانهم الذين اعتدوا في السبت،فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } [البقرة: 65]. { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } كقوله:إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [يس: 82].