الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }

ينهى تعالى عباده المؤمنين أن يقربوا الصلاة وهم سكارى، حتى يعلموا ما يقولون، وهذا شامل لقربان مواضع الصلاة كالمسجد، فإنه لا يمكن السكران من دخوله. وشامل لنفس الصلاة، فإنه لا يجوز للسكران صلاة ولا عبادة، لاختلاط عقله وعدم علمه بما يقول، ولهذا حدّد تعالى ذلك وغياه إلى وجود العلم، بما يقول السكران. وهذه الآية الكريمة منسوخة بتحريم الخمر مطلقاً، فإن الخمر - في أول الأمر - كان غير محرّم، ثم إن الله تعالى عرض لعباده بتحريمه، بقوله:يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } [البقرة: 219]. ثم إنه تعالى نهاهم عن الخمر عند حضور الصلاة، كما في هذه الآية، ثم إنه تعالى حرّمه على الإطلاق في جميع الأوقات في قوله:يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ } [المائدة: 90] الآية. ومع هذا فإنه يشتد تحريمه وقت حضور الصلاة، لتضمنه هذه المفسدة العظيمة، بعد حصول مقصود الصلاة الذي هو روحها ولبها، وهو الخشوع وحضور القلب، فإن الخمر يسكر القلب، ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ويؤخذ من المعنى منع الدخول في الصلاة في حال النعاس المفرط، الذي لا يشعر صاحبه بما يقول ويفعل، بل لعل فيه إشارة إلى أنه ينبغي لمن أراد الصلاة أن يقطع عنه كل شاغل يشغل فكره، كمدافعة الأخبثين، والتوق لطعام ونحوه، كما ورد في ذلك الحديث الصحيح. ثم قال: { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ } أي: لا تقربوا الصلاة حالة كون أحدكم جنباً، إلا في هذه الحال، وهو عابر السبيل أي: تمرون في المسجد ولا تمكثون فيه، { حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ } أي: فإذا اغتسلتم، فهو غاية المنع من قربان الصلاة للجنب، فيحل للجنب المرور في المسجد فقط. { وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ }. فأباح التيمم للمريض مطلقاً مع وجود الماء وعدمه، والعلة المرض الذي يشق معه استعمال الماء، وكذلك السفر فإنه مظنة فقد الماء، فإذا فقده المسافر أو وجد ما يتعلق بحاجته من شرب ونحوه، جاز له التيمم. وكذلك إذا أحدث الإنسان ببول أو غائط أو ملامسة النساء، فإنه يُباح له التيمم إذا لم يجد الماء، حضراً وسفراً، كما يدل على ذلك عموم الآية. والحاصل: أن الله تعالى أباح التيمم في حالتين: حال عدم الماء، وهذا مطلقاً في الحضر والسفر. وحال المشقة باستعماله بمرض ونحوه. واختلف المفسرون في معنى قوله: { أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } هل المراد بذلك: الجِمَاع، فتكون الآية نصاً في جواز التيمم للجنب، كما تكاثرت بذلك الأحاديث الصحيحة؟ أو المراد بذلك مجرد اللمس باليد، ويقيد ذلك بما إذا كان مظنة خروج المذي، وهو المس الذي يكون لشهوة، فتكون الآية دالة على نقض الوضوء بذلك؟ واستدل الفقهاء بقوله: { فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً } بوجوب طلب الماء عند دخول الوقت، قالوا: لأنه لا يقال: " لم يجد " لمن لم يطلب، بل لا يكون ذلك إلا بعد الطلب، واستدل بذلك أيضاً على أن الماء المتغير بشيء من الطاهرات يجوز بل يتعين التطهر به لدخوله في قوله: { فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً } وهذا ماء.

السابقالتالي
2