الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } * { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } * { وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً }

يأمر تعالى عباده بعبادته وحده لا شريك له، وهو الدخول تحت رق عبوديته، والانقياد لأوامره ونواهيه، محبة وذلاً وإخلاصاً له، في جميع العبادات الظاهرة والباطنة. وينهى عن الشرك به شيئاً لا شركاً أصغر ولا أكبر، لا ملكاً ولا نبياً ولا ولياً ولا غيرهم من المخلوقين، الذين لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، بل الواجب المتعين إخلاص العبادة لمن له الكمال المطلق من جميع الوجوه، وله التدبير الكامل الذي لا يشركه ولا يعينه عليه أحد. ثم بعد ما أمر بعبادته والقيام بحقه، أمر بالقيام بحقوق العباد الأقرب فالأقرب. فقال: { وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً } أي: أحسنوا إليهم بالقول الكريم، والخطاب اللطيف والفعل الجميل، بطاعة أمرهما، واجتناب نهيهما والإنفاق عليهما، وإكرام مَنْ له تعلق بهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا بهما. وللإحسان ضدان، الإساءةُ وعدمُ الإحسان. وكلاهما منهي عنه. { وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ } أيضاً إحساناً، ويشمل ذلك جميع الأقارب، قربوا أو بعدوا، بأن يحسن إليهم بالقول والفعل، وأن لا يقطع برحمه بقوله أو فعله. { وَٱلْيَتَٰمَىٰ } أي: الذين فقدوا آباءهم وهم صغار، فلهم حق على المسلمين، سواء كانوا أقارب أو غيرهم، بكفالتهم، وبرهم، وجبر خواطرهم وتأديبهم، وتربيتهم أحسن تربية، في مصالح دينهم ودنياهم. { وَٱلْمَسَٰكِينِ } وهم الذين أسكنتهم الحاجة والفقر، فلم يحصلوا على كفايتهم، ولا كفاية مَنْ يمونون فأمر الله تعالى بالإحسان إليهم، بسد خلتهم وبدفع فاقتهم، والحض على ذلك، والقيام بما يمكن منه. { وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ } أي: الجار القريب الذي له حقان، حق الجوار وحق القرابة، فله على جاره حق وإحسان راجع إلى العرف. وكذلك { ٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } أي: الذي ليس له قرابة. وكلما كان الجار أقرب باباً، كان آكد حقاً، فينبغي للجار أن يتعاهد جاره بالهدية والصدقة والدعوة واللطافة بالأقوال والأفعال، وعدم أذيته بقول أو فعل. { وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ } قيل: الرفيق في السفر، وقيل: الزوجة، وقيل الصاحب مطلقاً، ولعله أولى، فإنه يشمل الصاحب في الحضر والسفر، ويشمل الزوجة. فعلى الصاحب لصاحبه، حق زائد على مجرد إسلامه، من مساعدته على أمور دينه ودنياه، والنصح له والوفاء معه في اليسر والعسر، والمنشط والمكره، وأن يحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، وكلما زادت الصحبة تأكد الحق وزاد. { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } وهو: الغريب الذي احتاج في بلد الغربة أو لم يحتج، فله حق على المسلمين لشدة حاجته، وكونه في غير وطنه، بتبليغه إلى مقصوده، أو بعض مقصوده [وبإكرامه وتأنيسه]. { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ } أي: من الآدميين والبهائم، بالقيام بكفايتهم وعدم تحميلهم ما يشق عليهم وإعانتهم على ما يتحملون، وتأديبهم لما فيه مصلحتهم. فمَنْ قام بهذه المأمورات فهو الخاضع لربه، المتواضع لعباد الله، المنقاد لأمر الله وشرعه، الذي يستحق الثواب الجزيل والثناء الجميل، ومَنْ لم يقم بذلك فإنه عبد معرض عن ربه، غير منقاد لأوامره، ولا متواضع للخلق، بل هو متكبر على عباد الله، معجب بنفسه، فخور بقوله، ولهذا قال: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً } أي: معجباً بنفسه متكبراً على الخلق.

السابقالتالي
2