الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } * { وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً }

أي: النساء { ٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ } أي: الزنا، ووصفها بالفاحشة لشناعتها وقبحها. { فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ } أي: من رجالكم المؤمنين العدول. { فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ } أي: احبسوهن عن الخروج الموجب للريبة. وأيضاً فإن الحبس من جملة العقوبات { حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ } أي: هذا منتهى الحبس. { أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } أي: طريقاً غير الحبس في البيوت، وهذه الآية ليست منسوخة، وإنما هي مغياة إلى ذلك الوقت، فكان الأمر في أول الإسلام كذلك، حتى جعل الله لهن سبيلاً، وهو رجم المحصن وجلد غير المحصن. { وَ } كذلك { ٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا } أي: الفاحشة { مِنكُمْ } من الرجال والنساء { فَآذُوهُمَا } بالقول والتوبيخ والتعيير، والضرب الرادع عن هذه الفاحشة، فعلى هذا يكون الرجال إذا فعلوا الفاحشة يؤذون، والنساء يحبسن ويؤذين. فالحبس غايته إلى الموت، والأذية نهايتها إلى التوبة والإصلاح، ولهذا قال: { فَإِن تَابَا } أي: رجعا عن الذنب الذي فعلاه وندما عليه، وعزما على أن لا يعودا { وَأَصْلَحَا } العمل الدال على صدق التوبة { فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ } أي: عن أذاهما { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً } أي: كثير التوبة على المذنبين الخطائين، عظيم الرحمة والإحسان، الذي - من إحسانه - وفقهم للتوبة وقبلها منهم، وسامحهم عن ما صدر منهم. ويؤخذ من هاتين الآيتين أن بينة الزنا، لا بد أن تكون أربعة رجال مؤمنين، ومن باب أولى وأحرى اشتراط عدالتهم لأن الله تعالى شدد في أمر هذه الفاحشة، ستراً لعباده، حتى إنه لا يقبل فيها النساء منفردات، ولا مع الرجال، ولا ما دون أربعة. ولا بد من التصريح بالشهادة، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة، وتومئ إليه هذه الآية لما قال: { فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ }. لم يكتف بذلك حتى قال: { فَإِن شَهِدُواْ } أي: لا بد من شهادة صريحة عن أمر يشاهد عياناً، من غير تعريض ولا كناية. ويؤخذ منهما أن الأذية بالقول والفعل والحبس، قد شرعه الله تعزيراً لجنس المعصية الذي يحصل به الزجر.