الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ فِي يَتَٰمَى ٱلنِّسَآءِ ٱلَّٰتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلْوِلْدَٰنِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَٰمَىٰ بِٱلْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً }

الاستفتاء: طلب السائل من المسؤول بيان الحكم الشرعي في ذلك المسؤول عنه. فأخبر عن المؤمنين أنهم يستفتون الرسول صلى الله عليه وسلم، في حكم النساء المتعلق بهم فتولى الله هذه الفتوى بنفسه، فقال: { قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } فاعملوا على ما أفتاكم به في جميع شؤون النساء، من القيام بحقوقهن وترك ظلمهن عموماً وخصوصاً. وهذا أمر عام يشمل جميع ما شرع الله أمراً ونهياً، في حق النساء الزوجات وغيرهن، الصغار والكبار، ثم خص - بعد التعميم - الوصية بالضعاف من اليتامى والولدان، اهتماماً بهم، وزجراً عن التفريط في حقوقهم، فقال: { وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ فِي يَتَٰمَى ٱلنِّسَآءِ } أي: ويفتيكم أيضاً بما يتلى عليكم في الكتاب في شأن اليتامى من النساء. { ٱلَّٰتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ } وهذا إخبار عن الحالة الموجودة الواقعة في ذلك الوقت، فإن اليتيمة إذا كانت تحت ولاية الرجل، بخسها حقها وظلمها، إما بأكل مالها الذي لها أو بعضه، أو منعها من التزوج لينتفع بمالها، خوفاً من استخراجه من يده إنْ زوَّجها، أو يأخذ من مهرها الذي تتزوج به بشرط أو غيره، هذا إذا كان راغباً عنها، أو يرغب فيها وهي ذات جمال ومال، ولا يقسط في مهرها، بل يعطيها دون ما تستحق، فكل هذا ظلم يدخل تحت هذا النص، ولهذا قال: { وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } أي: ترغبون عن نكاحهن، أو في نكاحهن كما ذكرنا تمثيله. { وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلْوِلْدَٰنِ } أي: ويفتيكم في المستضعفين من الولدان الصغار، أن تعطوهم حقهم من الميراث وغيره، وأن لا تستولوا على أموالهم على وجه الظلم والاستبداد. { وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَٰمَىٰ بِٱلْقِسْطِ } أي: بالعدل التام، وهذا يشمل القيام عليهم بإلزامهم أمر الله وما أوجبه على عباده، فيكون الأولياء مكلفين بذلك، يلزمونهم بما أوجبه الله. ويشمل القيام عليهم في مصالحهم الدنيوية، بتنمية أموالهم، وطلب الأحظ لهم فيها، وأن لا يقربوها إلا بالتي هي أحسن، وكذلك لا يحابون فيهم صديقاً ولا غيره، في تزوج وغيره، على وجه الهضم لحقوقهم. وهذا من رحمته تعالى بعباده، حيث حثّ غاية الحث على القيام بمصالح مَنْ لا يقوم بمصلحة نفسه، لضعفه وفقد أبيه. ثم حثّ على الإحسان عموماً، فقال: { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ } لليتامى ولغيرهم، سواء كان الخير متعدياً أو لازماً، { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً } أي: قد أحاط علمه بعمل العاملين للخير، قلة وكثرة، حسناً وضده، فيجازي كُلاً بحسب عمله.