الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً } * { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً }

أي: ومن يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم ويعانده فيما جاء به { مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ } بالدلائل القرآنية والبراهين النبوية. { وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } وسبيلهم هو طريقهم في عقائدهم وأعمالهم { نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ } أي: نتركه وما اختاره لنفسه، ونخذله فلا نوفقه للخير، لكونه رأى الحق وعلمه وتركه، فجزاؤه من الله عدلاً أن يبقيه في ضلاله حائراً، ويزداد ضلالاً إلى ضلاله. كما قال تعالى:فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } [الصف: 5] وقال تعالى:وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَٰرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [الأنعام: 110]. ويدل مفهومها، على أن مَنْ لم يشاقق الرسول، ويتبع سبيل المؤمنين، بأن كان قصده وجه الله، واتباع رسوله، ولزوم جماعة المسلمين، ثم صدر منه من الذنوب أو الهم بها، ما هو من مقتضيات النفوس، وغلبات الطباع، فإن الله لا يوليه نفسه وشيطانه، بل يتداركه بلطفه، ويمن عليه بحفظه، ويعصمه من السوء، كما قال تعالى عن يوسف عليه السلام:كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ } [يوسف: 24] أي: بسبب إخلاصه صرفنا عنه السوء، وكذلك كل مخلص، كما يدل عليه عموم التعليل. وقوله: { وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ } أي: نعذبه فيها عذاباً عظيماً. { وَسَآءَتْ مَصِيراً } أي: مرجعاً له ومآلاً. وهذا الوعيد المرتب على الشقاق، ومخالفة المؤمنين، مراتب لا يحصيها إلا الله، بحسب حالة الذنب صغراً وكبراً فمنه ما يخلد في النار ويوجب جميع الخذلان. ومنه ما هو دون ذلك، فلعل الآية الثانية كالتفصيل لهذا المطلق. وهو: أن الشرك لا يغفره الله تعالى، لتضمنه القدح في رب العالمين وفي وحدانيته، وتسوية المخلوق الذي لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، بمن هو مالك النفع والضر، الذي ما من نعمة إلا منه، ولا يدفع النقم إلا هو، الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه، والغنى التام بجميع وجوه الاعتبارات. فمن أعظم الظلم وأبعد الضلال عدم إخلاص العبادة لمن هذا شأنه وعظمته، وصرف شيء منها للمخلوق، الذي ليس له من صفات الكمال شيء، ولا له من صفات الغنى شيء، بل ليس له إلا العدم. عدم الوجود، وعدم الكمال، وعدم الغنى، والفقر من جميع الوجوه. وأما ما دون الشرك من الذنوب والمعاصي، فهو تحت المشيئة، إن شاء الله غفره برحمته وحكمته، وإن شاء عذب عليه، وعاقب بعدله وحكمته، وقد استدل بهذه الآية الكريمة، على أن إجماع هذه الأُمة حجة، وأنها معصومة من الخطأ. ووجه ذلك: أن الله توعد من خالف سبيل المؤمنين بالخذلان والنار، و { سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } مفرد مضاف يشمل سائر ما المؤمنون عليه من العقائد والأعمال. فإذا اتفقوا على إيجاب شيء، أو استحبابه، أو تحريمه، أو كراهته، أو إباحته - فهذا سبيلهم، فمن خالفهم في شيء من ذلك بعد انعقاد إجماعهم عليه، فقد اتبع غير سبيلهم.

السابقالتالي
2