الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } * { وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ وَجِـيءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ }

لما خوفهم تعالى من عظمته، خوفهم بأحوال يوم القيامة، ورغَّبهم ورهَّبهم فقال: { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } وهو قرن عظيم، لا يعلم عظمته إلا خالقه، ومن أطلعه اللّه على علمه من خلقه، فينفخ فيه إسرافيل عليه السلام، أحد الملائكة المقربين، وأحد حملة عرش الرحمن. { فَصَعِقَ } أي: غشي أو مات، على اختلاف القولين: { مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ } أي: كلهم، لما سمعوا نفخة الصور أزعجتهم من شدتها وعظمها، وما يعلمون أنها مقدمة له. { إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } ممن ثبَّته اللّه عند النفخة، فلم يصعق، كالشهداء أو بعضهم، وغيرهم. وهذه النفخة الأولى، نفخة الصعق ونفخة الفزع. { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ } النفخة الثانية نفخة البعث { فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } أي: قد قاموا من قبورهم لبعثهم وحسابهم، قد تمت منهم الخلقة الجسدية والأرواح، وشخصت أبصارهم { يَنظُرُونَ } ماذا يفعل اللّه بهم. { وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا } علم من هذا، أن الأنوار الموجودة تذهب يوم القيامة وتضمحل، وهو كذلك، فإن اللّه أخبر أن الشمس تكور، والقمر يُخسف، والنجوم تندثر، ويكون الناس في ظلمة، فتشرق عند ذلك الأرض بنور ربها، عندما يتجلّى وينزل للفصل بينهم، وذلك اليوم يجعل اللّه للخلق قوة، وينشئهم نشأة يَقْوَوْنَ على أن لا يحرقهم نوره، ويتمكنون أيضاً من رؤيته، وإلاّ، فنوره تعالى عظيم، لو كشفه، لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه. { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ } أي: كتاب الأعمال وديوانه، وضع ونشر، ليقرأ ما فيه من الحسنات والسيئات، كما قال تعالى:وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } [الكهف: 49]. ويقال للعامل من تمام العدل والإنصاف:ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } [الإسراء: 14]. { وَجِـيءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ } ليسألوا عن التبليغ، وعن أممهم، ويشهدوا عليهم. { وَٱلشُّهَدَآءِ } من الملائكة، والأعضاء والأرض. { وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِٱلْحَقِّ } أي: العدل التام والقسط العظيم، لأنه حساب صادر ممن لا يظلم مثقال ذرة، ومَنْ هو محيط بكل شيء، وكتابه الذي هو اللوح المحفوظ، محيط بكل ما عملوه، والحفظة الكرام، والذين لا يعصون ربهم، قد كتبت عليهم ما عملوه، وأعدل الشهداء قد شهدوا على ذلك الحكم، فحكم بذلك مَنْ يعلم مقادير الأعمال ومقادير استحقاقها للثواب والعقاب، فيحصل حكم يقر به الخلق، ويعترفون للّه بالحمد والعدل، ويعرفون به من عظمته وعلمه وحكمته ورحمته ما لم يخطر بقلوبهم، ولا تعبر عنه ألسنتهم، ولهذا قال: { وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ }.