الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَذَا ٱلْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ ٱلأَخْيَارِ } * { هَـٰذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ } * { جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلأَبْوَابُ } * { مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ } * { وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ أَتْرَابٌ } * { هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ }

{ وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الأخْيَارِ * هَذَا ذِكْرُ }. أي: واذكر هؤلاء الأنبياء بأحسن الذكر، وأثن عليهم أحسن الثناء، فإن كلاً منهم من الأخيار الذين اختارهم اللّه من الخلق، واختار لهم أكمل الأحوال، من الأعمال، والأخلاق، والصفات الحميدة، والخصال السديدة. { هَـٰذَا } أي: ذكر هؤلاء الأنبياء الصفوة وذكر أوصافهم، { ذِكْرٌ } في هذا القرآن ذي الذكر، يتذكر بأحوالهم المتذكرون، ويشتاق إلى الاقتداء بأوصافهم الحميدة المقتدون، ويعرف ما منَّ اللّه عليهم به من الأوصاف الزكية، وما نشر لهم من الثناء بين البرية. فهذا نوع من أنواع الذكر، وهو ذكر أهل الخير، ومن أنواع الذكر، ذكر جزاء أهل الخير وأهل الشر، ولهذا قال: { وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ * جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلأَبْوَابُ * مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ * وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ أَتْرَابٌ * هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ * إِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ }. أي: { وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ } ربهم، بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، من كل مؤمن ومؤمنة، { لَحُسْنَ مَآبٍ } أي: لمآباً حسناً، ومرجعاً مستحسناً. ثم فسره وفصله، فقال: { جَنَّاتِ عَدْنٍ } أي: جنات إقامة، لا يبغي صاحبها بدلاً منها، من كمالها وتمام نعيمها، وليسوا بخارجين منها ولا بمخرجين. { مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلأَبْوَابُ } أي: مفتحة لأجلهم أبواب منازلها ومساكنها، لا يحتاجون أن يفتحوها هم ، بل هم مخدومون، وهذا دليل أيضاً على الأمان التام، وأنه ليس في جنات عدن، ما يوجب أن تغلق لأجله أبوابها. { مُتَّكِئِينَ فِيهَا } على الأرائك المزينات، والمجالس المزخرفات. { يَدْعُونَ فِيهَا } أي: يأمرون خدامهم، أن يأتوا { بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ } من كل ما تشتهيه نفوسهم، وتلذه أعينهم، وهذا يدل على كمال النعيم، وكمال الراحة والطمأنينة، وتمام اللذة. { وَعِندَهُمْ } من أزواجهم، الحور العين { قَاصِرَاتُ } طرفهن على أزواجهن، وطرف أزواجهن عليهن، لجمالهم كلهم، ومحبة كل منهما للآخر، وعدم طموحه لغيره، وأنه لا يبغي بصاحبه بدلاً، ولا عنه عوضاً. { أَتْرَابٌ } أي: على سن واحد، أعدل سن الشباب وأحسنه وألذه. { هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ } أيها المتقون { لِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ } جزاء على أعمالكم الصالحة. { إِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا } الذي أوردناه على أهل دار النعيم { مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ } أي: انقطاع، بل هو دائم مستقر في جميع الأوقات، متزايد في جميع الآنات. وليس هذا بعظيم على الرب الكريم، الرؤوف الرحيم، البر الجواد، الواسع الغني، الحميد اللطيف الرحمن، الملك الديان، الجليل الجميل المنان، ذي الفضل الباهر، والكرم المتواتر، الذي لا تحصى نعمه، ولا يحاط ببعض بره.