الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } * { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } * { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }

أي: { وَٱذْكُرْ } في هذا الكتاب ذي الذكر { عَبْدَنَآ أَيُّوبَ } بأحسن الذكر، وأثن عليه بأحسن الثناء، حين أصابه الضر، فصبر على ضره، فلم يشتك لغير ربه، ولا لجأ إلاّ إليه. فـ { نَادَىٰ رَبَّهُ } داعياً، وإليه لا إلى غيره شاكياً، فقال: ربِّ { أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } أي: بأمر مشق متعب معذب، وكان سلط على جسده فنفخ فيه حتى تقرح، ثم تقيح بعد ذلك واشتد به الأمر، وكذلك هلك أهله وماله. فقيل له: { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ } أي: اضرب الأرض بها، لينبع لك منها عين تغتسل منها وتشرب، فيذهب عنك الضر والأذى، ففعل ذلك، فذهب عنه الضر، وشفاه اللّه تعالى. { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ } قيل: إن اللّه تعالى أحياهم له { وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ } في الدنيا، وأغناه اللّه، وأعطاه مالاً عظيماً { رَحْمَةً مِّنَّا } بعبدنا أيوب، حيث صبر فأثبناه من رحمتنا ثواباً عاجلاً وآجلاً. { وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } أي: وليتذكر أولو العقول بحالة أيوب ويعتبروا، فيعلموا أن مَنْ صبر على الضر، أن اللّه تعالى يثيبه ثواباً عاجلاً وآجلاً، ويستجيب دعاءه إذا دعاه. { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً } أي حزمة شماريخ { فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ }. قال المفسرون: وكان في مرضه وضره قد غضب على زوجته في بعض الأمور، فحلف: لئن شفاه اللّه ليضربنها مائة جلدة، فلما شفاه اللّه، وكانت امرأته صالحة محسنة إليه، رحمها اللّه ورحمه، فأفتاه أن يضربها بضغث فيه مائة شمراخ ضربة واحدة، فيبر في يمينه. { إِنَّا وَجَدْنَاهُ } أي: أيوب { صَابِراً } أي: ابتليناه بالضر العظيم، فصبر لوجه اللّه تعالى. { نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ } الذي كمل مراتب العبودية، في حال السراء والضراء، والشدة والرخاء. { إِنَّهُ أَوَّابٌ } أي: كثير الرجوع إلى اللّه، في مطالبه الدينية والدنيوية، كثير الذكر لربه والدعاء، والمحبة والتأله.