الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } * { ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ } * { وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ } * { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحِكْمَةَ وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ }

{ وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ * ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ }. أي: قال هؤلاء المكذبون، من جهلهم ومعاندتهم الحق، مستعجلين للعذاب: { رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا } أي: قسطنا وما قسم لنا من العذاب عاجلاً { قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } ولَجُّوا في هذا القول، وزعموا أنك يا محمد، إن كنت صادقاً، فعلامة صدقك أن تأتينا بالعذاب، فقال لرسوله: { ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } كما صبر مَنْ قبلك من الرسل، فإن قولهم لا يضر الحق شيئاً، ولا يضرونك في شيء، وإنما يضرون أنفسهم. { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ * وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحِكْمَةَ وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ } لما أمر اللّه رسوله بالصبر على قومه، أمره أن يستعين على الصبر بالعبادة للّه وحده، ويتذكر حال العابدين، كما قال في الآية الأخرى:فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } [طه: 130]. ومن أعظم العابدين، نبي اللّه داود عليه الصلاة والسلام { ذَا ٱلأَيْدِ } أي: القوة العظيمة على عبادة اللّه تعالى، في بدنه وقلبه. { إِنَّهُ أَوَّابٌ } أي: رجَّاع إلى اللّه في جميع الأمور بالإنابة إليه، بالحب والتأله، والخوف والرجاء، وكثرة التضرع والدعاء، رجَّاع إليه عندما يقع منه بعض الخلل، بالإقلاع والتوبة النصوح. ومن شدة إنابته لربه وعبادته، أن سخر اللّه الجبال معه، تسبِّح معه بحمد ربها { بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ } أول النهار وآخره. { وَ } سخر { ٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً } معه مجموعة { كُلٌّ } من الجبال والطير، لله تعالى { أَوَّابٌ } امتثالاً لقوله تعالى:يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ } [سبأ: 10] فهذه مِنَّةُ اللّه عليه بالعبادة، ثم ذكر منته عليه بالملك العظيم فقال: { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ } أي: قويناه بما أعطيناه من الأسباب، وكثرة الْعَدَد والْعُدَدِ التي بها قوَّى اللّه ملكه، ثم ذكر منته عليه بالعلم فقال: { وَآتَيْنَاهُ ٱلْحِكْمَةَ } أي: النبوة والعلم العظيم، { وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ } أي: الخصومات بين الناس.