الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } * { قَالُوۤاْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ } * { قَالُواْ بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } * { وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ } * { فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ إِنَّا لَذَآئِقُونَ } * { فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ } * { فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } * { إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ } * { إِنَّهُمْ كَانُوۤاْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ } * { وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوۤاْ آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ } * { بَلْ جَآءَ بِٱلْحَقِّ وَصَدَّقَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِنَّكُمْ لَذَآئِقُو ٱلْعَذَابِ ٱلأَلِيمِ } * { وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

لما جمعوا هم وأزواجهم وآلهتهم، وهدوا إلى صراط الجحيم، ووقفوا، فسئلوا، فلم يجيبوا، وأقبلوا فيما بينهم، يلوم بعضهم بعضاً على إضلالهم وضلالهم. فقال الأتباع للمتبوعين الرؤساء: { إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ } أي: بالقوة والغلبة، فتضلونا، ولولا أنتم لكنا مؤمنين. { قَالُواْ } لهم { بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } أي: ما زلتم مشركين، كما نحن مشركون، فأي: شيء فضلكم علينا؟ وأي: شيء يوجب لومنا؟ { وَ } الحال أنه { مَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } أي: قهر لكم على اختيار الكفر { بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ } متجاوزين للحد. { فَحَقَّ عَلَيْنَا } نحن وإياكم { إِنَّا لَذَآئِقُونَ } العذاب، أي: حق علينا قدر ربنا وقضاؤه، أنا وإياكم سنذوق العذاب، ونشترك في العقاب. { فَـ } لذلك { أَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ } أي: دعوناكم إلى طريقتنا التي نحن عليها، وهي الغواية، فاستجبتم لنا، فلا تلومونا ولوموا أنفسكم. قال تعالى: { فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ } أي: يوم القيامة { فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } وإن تفاوتت مقادير عذابهم بحسب جرمهم، كما اشتركوا في الدنيا على الكفر، اشتركوا في الآخرة بجزائه، ولهذا قال: { إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ }. ثم ذكر أن إجرامهم، قد بلغ الغاية وجاوز النهاية فقال: { إِنَّهُمْ كَانُوۤاْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ } فدعوا إليها، وأمروا بترك إلهية ما سواه { يَسْتَكْبِرُونَ } عنها وعلى مَنْ جاء بها. { وَيَقُولُونَ } معارضة لها: { أَئِنَّا لَتَارِكُوۤاْ آلِهَتِنَا } التي لم نزل نعبدها نحن وآباؤنا { لِـ } قول { شَاعِرٍ مَّجْنُونٍ } يعنون محمداً صلى اللّه عليه وسلم. فلم يكفهم - قبحهم اللّه - الإعراض عنه، ولا مجرد تكذيبه، حتى حكموا عليه بأظلم الأحكام، وجعلوه شاعراً مجنوناً، وهم يعلمون أنه لا يعرف الشعر والشعراء، ولا وصفه وصفهم، وأنه أعقل خلق اللّه، وأعظمهم رأياً. ولهذا قال تعالى، ناقضاً لقولهم: { بَلْ جَآءَ } محمد { بِٱلْحَقِّ } أي: مجيئه حقٌّ، وما جاء به من الشرع والكتاب حق. { وَصَدَّقَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [أي: ومجيئه صدق المرسلين]، فلولا مجيئه وإرساله لم يكن الرسل صادقين، فهو آية ومعجزة لكل رسول قبله، لأنهم أخبروا به وبشروا، وأخذ اللّه عليهم العهد والميثاق، لئن جاءهم ليؤمنن به ولينصرنه، وأخذوا ذلك على أممهم، فلما جاء ظهر صدق الرسل الذين قبله، وتبين كذب مَنْ خالفهم، فلو قدر عدم مجيئه، وهم قد أخبروا به، لكان ذلك قادحاً في صدقهم. وصدَّق أيضاً المرسلين، بأن جاء بما جاؤوا به، ودعا إلى ما دعوا إليه، وآمن بهم، وأخبر بصحة رسالتهم ونبوتهم وشرعهم. ولما كان قولهم السابق: { إِنَّا لَذَآئِقُونَ } قولاً صادراً منهم، يحتمل أن يكون صدقاً أو غيره، أخبر تعالى بالقول الفصل الذي لا يحتمل غير الصدق واليقين، وهو الخبر الصادر منه تعالى، فقال: { إِنَّكُمْ لَذَآئِقُو ٱلْعَذَابِ ٱلأَلِيمِ } أي: المؤلم الموجع، { وَمَا تُجْزَوْنَ } في إذاقة العذاب الأليم { إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } فلم نظلمكم، وإنما عدلنا فيكم؟ ولما كان هذا الخطاب لفظه عاماً، والمراد به المشركون، استثنى تعالى المؤمنين فقال: { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ... }.