الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ ٱلظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً }

يقول تعالى مُعجِّزاً لآلهة المشركين، ومبيناً نقصها، وبطلان شركهم من جميع الوجوه. { قُلْ } يا أيها الرسول لهم: { أَرَأَيْتُمْ } أي: أخبروني عن شركائكم { ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } هل هم مستحقون للدعاء والعبادة، فـ { أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ [مِنَ ٱلأَرْضِ } هل خلقوا بحراً أم خلقوا جبالاً أو خلقوا] حيواناً، أو خلقوا جماداً؟ سيقرون أن الخالق لجميع الأشياء هو اللّه تعالى، أَم لشركائكم شركة { فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } في خلقها وتدبيرها؟ سيقولون: ليس لهم شركة. فإذا لم يخلقوا شيئاً، ولم يشاركوا الخالق في خلقه، فلِمَ عبدتموهم ودعوتموهم مع إقراركم بعجزهم؟ فانتفى الدليل العقلي على صحة عبادتهم، ودلَّ على بطلانها. ثم ذكر الدليل السمعي، وأنه أيضاً منتف، فلهذا قال: { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً } يتكلم بما كانوا به يشركون، يأمرهم بالشرك وعبادة الأوثان. { فَهُمْ } في شركهم { عَلَىٰ بَيِّنَةٍ } من ذلك الكتاب الذي نزل عليهم في صحة الشرك؟ ليس الأمر كذلك؟ فإنهم ما نزل عليهم كتاب قبل القرآن، ولا جاءهم نذير قبل رسول اللّه محمد صلى اللّه عليه وسلم، ولو قدر نزول كتاب إليهم، وإرسال رسول إليهم، وزعموا أنه أمرهم بشركهم، فإنا نجزم بكذبهم، لأن اللّه قال:وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ } [الأنبياء: 25] فالرسل والكتب، كلها متفقة على الأمر بإخلاص الدين للّه تعالى،وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ } [البينة: 5]. فإن قيل: إذا كان الدليل العقلي والنقلي قد دلاّ على بطلان الشرك، فما الذي حمل المشركين على الشرك، وفيهم ذوو العقول والذكاء والفطنة؟ أجاب تعالى بقوله: { بَلْ إِن يَعِدُ ٱلظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً } أي: ذلك الذي مشوا عليه، ليس لهم فيه حجة، فإنما ذلك توصية بعضهم لبعض به، وتزيين بعضهم لبعض، واقتداء المتأخر بالمتقدم الضال، وأمانيّ مَنَّاها الشيطان، وزين لهم [سوء] أعمالهم، فنشأت في قلوبهم، وصارت صفة من صفاتها، فعسر زوالها، وتعسر انفصالها، فحصل ما حصل من الإقامة على الكفر والشرك الباطل المضمحل.