الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } * { وَقَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } * { وَقَدْ كَـفَرُواْ بِهِ مِن قَـبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } * { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ }

يقول تعالى { وَلَوْ تَرَىٰ } أيها الرسول، ومَنْ قام مقامك، حال هؤلاء المكذبين، { إِذْ فَزِعُواْ } حين رأوا العذاب، وما أخبرتهم به الرسل وما كذبوا به، لرأيت أمراً هائلاً، ومنظراً مفظعاً، وحالة منكرة، وشدة شديدة، وذلك حين يحق عليهم العذاب. فليس لهم عنه مهرب ولا فوت، { وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } أي: ليس بعيداً عن محل العذاب، بل يؤخذون، ثم يقذفون في النار. { وَقَالُوۤاْ } في تلك الحال: { آمَنَّا } بالله وصدقنا ما به كذبنا { وَ } لكن { أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ } أي: تناول الإيمان { مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } قد حيل بينهم وبينه، وصار من الأمور المحالة في هذه الحالة، فلو أنهم آمنوا وقت الإمكان، لكان إيمانهم مقبولاً ولكنهم { وَقَدْ كَـفَرُواْ بِهِ مِن قَـبْلُ وَيَقْذِفُونَ } أي: يرمون { بِٱلْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } بقذفهم الباطل، ليدحضوا به الحق، ولكن لا سبيل إلى ذلك، كما لا سبيل للرامي من مكان بعيد إلى إصابة الغرض، فكذلك الباطل، من المحال أن يغلب الحق أو يدفعه، وإنما يكون له صولة، وقت غفلة الحق عنه، فإذا برز الحق، وقاوم الباطل قمعه. { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } من الشهوات واللذات، والأولاد، والأموال، والخدم، والجنود، قد انفردوا بأعمالهم، وجاؤوا فرادى كما خُلِقوا، وتركوا ما خولوا وراء ظهورهم، { كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم } من الأمم السابقين حين جاءهم الهلاك، حيل بينهم وبين ما يشتهون، { إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ } أي: محدث الريبة وقلق القلب، فلذلك لم يؤمنوا، ولم يعتبوا حين استعتبوا.