الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ } * { وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ }

أي: { قُلِ } يا أيها الرسول، للمشركين باللّه غيره من المخلوقات، التي لا تنفع ولا تضر، ملزماً لهم بعجزها، ومبيناً لهم بطلان عبادتها: { ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ } أي: زعمتموهم شركاءً للّه، إن كان دعاؤكم ينفع، فإنهم قد توفرت فيهم أسباب العجز وعدم إجابة الدعاء من كل وجه، فإنهم ليس لهم أدنى ملك فـ { لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } على وجه الاستقلال، ولا على وجه الاشتراك، ولهذا قال: { وَمَا لَهُمْ } أي: لتلك الآلهة الذين زعمتم { فِيهِمَا } أي: في السماوات والأرض، { مِن شِرْكٍ } أي: لا شرك قليل ولا كثير، فليس لهم ملك، ولا شركة ملك. بقي أن يقال: ومع ذلك، فقد يكونون أعواناً للمالك ووزراء له، فدعاؤهم يكون نافعاً، لأنهم - بسبب حاجة الملك إليهم - يقضون حوائج من تعلق بهم، فنفى تعالى هذه المرتبة فقال: { وَمَا لَهُ } أي: للّه تعالى الواحد القهار { مِنْهُمْ } أي: من هؤلاء المعبودين { مِّن ظَهِيرٍ } أي: معاون ووزير يساعده على الملك والتدبير. فلم يبق إلا الشفاعة، فنفاها بقوله: { وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } فهذه أنواع التعلقات، التي يتعلق بها المشركون بأندادهم وأوثانهم، من البشر والشجر وغيرهم، قطعها اللّه وبيَّن بطلانها تبييناً حاسماً لمواد الشرك، قاطعاً لأصوله، لأن المشرك إنما يدعو ويعبد غير اللّه، لما يرجو منه من النفع، فهذا الرجاء، هو الذي أوجب له الشرك، فإذا كان مَنْ يدعوه [غير اللّه]، لا مالكاً للنفع والضر، ولا شريكاً للمالك، ولا عوناً وظهيراً للمالك، ولا يقدر أن يشفع بدون إذن المالك، كان هذا الدعاء وهذه العبادة، ضلالاً في العقل، باطلة في الشرع. بل ينعكس على المشرك مطلوبه ومقصوده، فإنه يريد منها النفع، فبيَّن اللّه بطلانه وعدمه، وبيَّن في آيات أخر ضرره على عابديه، وأنه يوم القيامة يكفر بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضاً، ومأواهم الناروَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } [الأحقاف: 6]. والعجب، أن المشرك استكبر عن الانقياد للرسل بزعمه أنهم بشر، ورضي أن يعبد ويدعو الشجر والحجر، استكبر عن الإخلاص للملك الرحمن الديان، ورضي بعبادة من ضره أقرب من نفعه، طاعة لأعدى عدو له وهو الشيطان. وقوله: { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ } يحتمل أن الضمير في هذا الموضع يعود إلى المشركين، لأنهم مذكورون في اللفظ، والقاعدة في الضمائر، أن تعود إلى أقرب مذكور، ويكون المعنى: إذا كان يوم القيامة، وفزع عن قلوب المشركين، أي: زال الفزع، وسئلوا حين رجعت إليهم عقولهم، عن حالهم في الدنيا، وتكذيبهم للحق الذي جاءت به الرسل، أنهم يقرون أن ما هم عليه من الكفر والشرك باطل، وأن ما قال اللّه وأخبرت به عنه رسله، هو الحق فبدا لهم ما كانوا يخفون من قبل وعلموا أن الحق للّه، واعترفوا بذنوبهم.

السابقالتالي
2