الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً } * { إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً } * { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ يَقُولُونَ يٰلَيْتَنَآ أَطَعْنَا ٱللَّهَ وَأَطَعْنَا ٱلرَّسُولاَ } * { وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلاْ } * { رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ ٱلْعَذَابِ وَٱلْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً }

أي: يستخبرك الناس عن الساعة استعجالاً لها، وبعضهم تكذيباً. لوقوعها، وتعجيزاً للذي أخبر بها. { قُلْ } لهم: { إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ } أي: لا يعلمها إلا اللّه، فليس لي ولا لغيرى بها علم، ومع هذا، فلا تستبطؤوها. { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً } ومجرد مجيء الساعة، قرباً وبعداً، ليس تحته نتيجة ولا فائدة، وإنما النتيجة والخسار والربح، والشقا والسعادة، هل يستحق العبد العذاب، أو يستحق الثواب؟ فهذه سأخبركم بها، وأصف لكم مستحقها. فوصف مستحق العذاب، ووصف العذاب، لأن الوصف المذكور منطبق على هؤلاء المكذبين بالساعة، فقال: { إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلْكَافِرِينَ } [أي:] الذين صار الكفر دأبهم وطريقتهم الكفر باللّه وبرسله، وبما جاؤوا به من عند اللّه، فأبعدهم في الدنيا والآخرة من رحمته، وكفى بذلك عقاباً، { وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً } أي: ناراً موقدة، تسعر في أجسامهم، ويبلغ العذاب إلى أفئدتهم، ويخلدون في ذلك العذاب الشديد، فلا يخرجون منه، ولا يُفَتَّر عنهم ساعة. ولا يجدون وليّاً فيعطيهم ما طلبوه { وَلاَ نَصِيراً } يدفع عنهم العذاب، بل قد تخلى عنهم الولي النصير، وأحاط بهم عذاب السعير، وبلغ منهم مبلغاً عظيماً، ولهذا قال: { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ } فيذوقون حرها، ويشتد عليهم أمرها، ويتحسرون على ما أسلفوا. { يَقُولُونَ يٰلَيْتَنَآ أَطَعْنَا ٱللَّهَ وَأَطَعْنَا ٱلرَّسُولاَ } فسلمنا من هذا العذاب، واستحققنا كالمطيعين جزيل الثواب. ولكن أمنية فات وقتها، فلم تفدهم إلا حسرة وندماً، وهمّاً، وغماً، وألماً. { وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا } وقلدناهم على ضلالهم، { فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلاْ }. كقوله تعالى:وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً * يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً * لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي } الآية [الفرقان: 27-29]. ولما علموا أنهم هم وكبراءهم مستحقون للعقاب، أرادوا أن يشتفوا ممن أضلوهم، فقالوا: { رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ ٱلْعَذَابِ وَٱلْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً } فيقول اللّه لكل ضعف، فكلكم اشتركتم في الكفر والمعاصي، فتشتركون في العقاب، وإن تفاوت عذاب بعضكم على بعض بحسب تفاوت الجرم.