الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً }

يخبر تعالى المؤمنين خبراً يعرفون به حالة الرسول صلى اللّه عليه وسلم ومرتبته، فيعاملونه بمقتضى تلك الحالة، فقال: { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } أقرب ما للإنسان، وأولى ما له نفسه، فالرسول أولى به من نفسه، لأنه عليه الصلاة والسلام، بذل لهم من النصح والشفقة والرأفة، ما كان به أرحم الخلق وأرأفهم، فرسول اللّه، أعظم الخلق مِنَّةً عليهم من كل أحد، فإنه لم يصل إليهم مثقال ذرة من الخير، ولا اندفع عنهم مثقال ذرة من الشر، إلا على يديه وبسببه. فلذلك، وجب عليهم إذا تعارض مراد النفس، أو مراد أحد من الناس، مع مراد الرسول، أن يقدم مراد الرسول، وأن لا يعارض قول الرسول بقول أحد، كائناً مَنْ كان، وأن يفدوه بأنفسهم وأموالهم وأولادهم، ويقدموا محبته على الخلق كلهم، وألا يقولوا حتى يقول، ولا يتقدموا بين يديه. وهو صلى اللّه عليه وسلم أب للمؤمنين، كما في قراءة بعض الصحابة، يربيهم كما يربي الوالد أولاده. فترتب على هذه الأبوة، أن كان نساؤه أمهاتهم، أي: في الحرمة والاحترام والإكرام، لا في الخلوة والمحرمية، وكأن هذا مقدمة لما سيأتي في قصة زيد بن حارثة، الذي كان قَبْل يُدْعَى: " زيد بن محمد " حتى أنزل اللّهمَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ } [الأحزاب: 40] فقطع نسبه، وانتسابه منه، فأخبر في هذه الآية، أن المؤمنين كلهم أولاد للرسول، فلا مزية لأحد عن أحد وإن انقطع عن أحدهم انتساب الدعوة، فإن النسب الإيماني لم ينقطع عنه، فلا يحزن ولا يأسف. وترتب على أن زوجات الرسول أمهات المؤمنين، أنهن لا يحللن لأحد من بعده، كما الله صرح بذلك:وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً } [الأحزاب: 53]. { وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ } أي: الأقارب، قربوا أو بعدوا { بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } [أي]: في حكمه، فيرث بعضهم بعضاً، ويبر بعضهم بعضاً، فهم أولى من الحلف والنصرة. والأدعياء الذين كانوا من قبل يرثون بهذه الأسباب، دون ذوي الأرحام، فقطع تعالى التوارث بذلك وجعله للأقارب، لطفاً منه وحكمة، فإن الأمر لو استمر على العادة السابقة، لحصل من الفساد والشر والتحيل لحرمان الأقارب من الميراث شيء كثير. { مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ } أي: سواء كان الأقارب مؤمنين مهاجرين وغير مهاجرين، فإن ذوي الأرحام مقدمون في ذلك، وهذه الآية حجة على ولاية ذوي الأرحام في جميع الولايات، كولاية النكاح والمال، وغير ذلك. { إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً } أي: ليس لهم حق مفروض، وإنما هو بإرادتكم، إن شئتم أن تتبرعوا لهم تبرعاً وتعطوهم معروفاً منكم، { كَانَ } ذلك الحكم المذكور { فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } أي: قد سطر وكتب وقدره اللّه، فلا بد من نفوذه.