الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } * { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ وَٱلْمُرْجِفُونَ فِي ٱلْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاَّ قَلِيلاً } * { مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوۤاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً } * { سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً }

هذه الآية التي تسمى آية الحجاب، فأمر اللّه نبيه أن يأمر النساء عموماً، ويبدأ بزوجاته وبناته، لأنهن آكد من غيرهن، ولأن الآمر [لغيره] ينبغي أن يبدأ بأهله قبل غيرهم، كما قال تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } [التحريم: 6]. أن { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ } وهن اللاتي يكن فوق الثياب من ملحفة وخمار ورداء ونحوه، أي: يغطين بها، وجوههن وصدورهن. ثم ذكر حكمة ذلك، فقال: { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ } دلّ على وجود أذية إن لم يحتجبن، وذلك، لأنهن إذا لم يحتجبن، ربما ظن أنهن غير عفيفات، فيتعرض لهن مَنْ في قلبه مرض فيؤذيهن، وربما استهين بهن، وظن أنهن إماء، فتهاون بهن مَنْ يريد الشر. فالاحتجاب حاسم لمطامع الطامعين فيهن. { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } حيث غفر لكم ما سلف ورحمكم، بأن بيَّن لكم الأحكام، وأوضح الحلال والحرام، فهذا سد للباب من جهتهنّ. وأما من جهة أهل الشر فقد توعدهم بقوله: { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } أي: مرض شك أو شهوة { وَٱلْمُرْجِفُونَ فِي ٱلْمَدِينَةِ } أي: المخوفون المرهبون الأعداء، المُحَدَّثون بكثرتهم وقوتهم، وضعف المسلمين. ولم يذكر المعمول الذي ينتهون عنه، ليعم ذلك كل ما توحي به أنفسهم إليهم وتوسوس به وتدعو إليه من الشر، من التعريض بسبِّ الإسلام وأهله، والإرجاف بالمسلمين، وتوهين قواهم، والتعرض للمؤمنات بالسوء والفاحشة، وغير ذلك من المعاصي الصادرة من أمثال هؤلاء. { لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ } أي: نأمرك بعقوبتهم وقتالهم، ونسلطك عليهم، ثم إذا فعلنا ذلك، لا طاقة لهم بك، وليس لهم قوة ولا امتناع، ولهذا قال: { ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاَّ قَلِيلاً } أي: لا يجاورونك في المدينة إلاّ قليلاً، بأن تقتلهم أو تنفيهم. وهذا فيه دليل لنفي أهل الشر، الذين يتضرر بإقامتهم بين أظهر المسلمين، فإن ذلك أحسم للشر وأبعد منه، ويكونون { مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوۤاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً } أي: مبعدين أين وجُدوا، لا يحصل لهم أمن، ولا يقر لهم قرار، يخشون أن يُقتلوا، أو يُحبسوا، أو يعاقبوا. { سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ } أن مَنْ تمادى في العصيان، وتجرأ على الأذى، ولم ينته منه، فإنه يعاقب عقوبة بليغة. { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } أي: تغييراً، بل سنته تعالى وعادته جارية مع الأسباب المقتضية لأسبابها.