الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ وَمَنِ ٱبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً }

وهذا أيضاً من توسعة اللّه على رسوله ورحمته به، أن أباح له ترك القسم بين زوجاته على وجه الوجوب، وأنه إن فعل ذلك فهو تبرع منه، ومع ذلك، فقد كان صلى اللّه عليه وسلم يجتهد في القسم بينهن في كل شيء، ويقول: " اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما لا أملك ". فقال هنا: { تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ } [أي: تؤخر من أردت من زوجاتك فلا تؤويها إليك، ولا تبيت عندها] { وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ } أي: تضمها وتبيت عندها. { وَ } مع ذلك لا يتعين هذا الأمر { مَنِ ٱبْتَغَيْتَ } أي: تؤويها { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ } والمعنى أن الخيرة بيدك في ذلك كله [وقال كثير من المفسرين إن هذا خاص بالواهبات له أن يرجي من يشاء ويؤوي من يشاء، أي: إن شاء قبل من وهبت نفسها له وإن شاء لم يقبلها واللّه أعلم]. ثم بيّن الحكمة في ذلك فقال: { ذَلِكَ } أي: التوسعة عليك، وكون الأمر راجعاً إليك وبيدك، وكون ما جاء منك إليهن تبرعاً منك { أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ } لعلمهن أنك لم تترك واجباً، ولم تفرط في حق لازم. { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ } أي: ما يعرض لها عند أداء الحقوق الواجبة والمستحبة، وعند المزاحمة في الحقوق، فلذلك شرع لك التوسعة يا رسول اللّه، لتطمئن قلوب زوجاتك. { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً } أي: واسع العلم، كثير الحلم. ومن علمه، أن شرع لكم ما هو أصلح لأموركم، وأكثر لأجوركم. ومن حلمه، أن لم يعاقبكم بما صدر منكم، وما أصرت عليه قلوبكم من الشر.