الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً }

وكان سبب نزول هذه الآيات، أن اللّه تعالى أراد أن يشرع شرعاً عاماً للمؤمنين، أن الأدعياء ليسوا في حكم الأبناء حقيقة، من جميع الوجوه وأن أزواجهم لا جناح على مَنْ تبناهم، في نكاحهن. وكان هذا من الأمور المعتادة، التي لا تكاد تزول إلا بحادث كبير، فأراد أن يكون هذا الشرع قولاً من رسوله وفعلاً، وإذا أراد اللّه أمراً جعل له سبباً، وكان زيد بن حارثة يدعى " زيد بن محمد " قد تبناه النبي صلى اللّه عليه وسلم، فصار يدعى إليه حتى نزل:ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ } [الأحزاب: 5] فقيل له: " زيد بن حارثة ". وكانت تحته زينب بنت جحش، ابنة عمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكان قد وقع في قلب الرسول، لو طلقها زيد، لتزوَّجها، فقدر اللّه أن يكون بينها وبين زيد ما اقتضى أن جاء زيد بن حارثة يستأذن النبي صلى اللّه عليه وسلم في فراقها. قال اللّه: { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } أي: بالإسلام { وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } بالعتق، حين جاءك مشاوراً في فراقها: فقلت له ناصحاً له ومخبراً بمصلحته، مع وقوعها في قلبك: { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } أي: لا تفارقها، واصبر على ما جاءك منها، { وَٱتَّقِ ٱللَّهَ } تعالى في أمورك عامة، وفي أمر زوجك خاصة، فإن التقوى تحث على الصبر، وتأمر به. { وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ } والذي أخفاه، أنه لو طلقها زيد لتزوجها صلى اللّه عليه وسلم. { وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ } في عدم إبداء ما في نفسك { وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ } وأن لا تباليهم شيئاً، { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً } أي: طابت نفسه، ورغب عنها، وفارقها. { زَوَّجْنَاكَهَا } وإنما فعلنا ذلك لفائدة عظيمة، وهي: { لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ } حيث رأوك تزوجت زوج زيد بن حارثة، الذي كان من قبل ينتسب إليك. ولما كان قوله: { لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ } عاماً في جميع الأحوال وكان من الأحوال، ما لا يجوز ذلك، وهي قبل انقضاء وطره منها، قيد ذلك بقوله: { إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } أي: لا بد من فعله، ولا عائق له ولا مانع. وفي هذه الآيات المشتملات على هذه القصة فوائد، منها: الثناء على زيد بن حارثة، وذلك من وجهين: أحدهما: أن اللّه سماه في القرآن، ولم يسم من الصحابة باسمه غيره. والثاني: أن اللّه أخبر أنه أنعم عليه، أي: بنعمة الإسلام والإيمان. وهذه شهادة من اللّه له أنه مسلم مؤمن، ظاهراً وباطناً، وإلا فلا وجه لتخصيصه بالنعمة، لولا أن المراد بها النعمة الخاصة. ومنها: أن المُعْتق في نعمة الْمُعْتِق.

السابقالتالي
2