الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } * { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً }

يقول تعالى: { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ } خطاب لهن كلهن { لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ } اللّه، فإنكن بذلك تفقن النساء، ولا يلحقكن أحد من النساء، فكملن التقوى بجميع وسائلها ومقاصدها. فلهذا أرشدهن إلى قطع وسائل المحرم، فقال: { فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ } أي: في مخاطبة الرجال، أو بحيث يسمعون فتَلِنَّ في ذلك، وتتكلمن بكلام رقيق يدعو ويطمع { ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } أي: مرض شهوة الزنا، فإنه مستعد، ينظر أدنى محرك يحركه، لأن قلبه غير صحيح، [فإن القلب الصحيح]، ليس فيه شهوة لما حرم اللّه، فإن ذلك لا تكاد تُمِيلُه ولا تحركه الأسباب، لصحة قلبه وسلامته من المرض. بخلاف مريض القلب، الذي لا يتحمل ما يتحمل الصحيح، ولا يصبر على ما يصبر عليه، فأدنى سبب يوجد، يدعوه إلى الحرام، يجيب دعوته، ولا يتعاصى عليه، فهذا دليل على أن الوسائل لها أحكام المقاصد. فإن الخضوع بالقول واللين فيه، في الأصل مباح، ولكن لما كان وسيلة إلى المحرم، منع منه، ولهذا ينبغي للمرأة في مخاطبة الرجال، أن لا تلِين لهم القول. ولما نهاهن عن الخضوع في القول، فربما توهم أنهن مأمورات بإغلاظ القول، دفع هذا بقوله: { وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } أي: غير غليظ ولا جاف، كما أنه ليس بِلَيِّنٍ خاضع. وتأمل كيف قال: { فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ } ولم يقل: " فلا تلِنَّ بالقول " وذلك لأن المنهي عنه القول اللين، الذي فيه خضوع المرأة للرجل، وانكسارها عنده، والخاضع هو الذي يطمع فيه، بخلاف من تكلم كلاماً ليناً ليس فيه خضوع، بل ربما صار فيه ترفع وقهر للخصم، فإن هذا لا يطمع فيه خصمه، ولهذا مدح اللّه رسوله باللين، فقال:فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ } [آل عمران: 159] وقال لموسى وهارون:ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ* فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } [طه: 43-44]. ودلَّ قوله: { فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } مع أمره بحفظ الفرج وثنائه على الحافظين لفروجهم والحافظات، ونهيه عن قربان الزنا، أنه ينبغي للعبد إذا رأى من نفسه هذه الحالة، وأنه يهش لفعل المحرم عندما يرى أو يسمع كلام مَنْ يهواه، ويجد دواعي طمعه قد انصرفت إلى الحرام، فَلْيَعْرِفْ أن ذلك مرض. فَلْيَجْتَهِدْ في إضعاف هذا المرض وحسم الخواطر الردية، ومجاهدة نفسه على سلامتها من هذا المرض الخطر، وسؤال اللّه العصمة والتوفيق، وأن ذلك من حفظ الفرج المأمور به. { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } أي: اقررن فيها، لأنه أسلم وأحفظ لَكُنَّ، { وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ } أي: لا تكثرن الخروج متجملات أو متطيبات، كعادة أهل الجاهلية الأولى، الذين لا علم عندهم ولا دين، فكل هذا دفع للشر وأسبابه. ولما أمرهن بالتقوى عموماً، وبجزئيات من التقوى، نص عليها [لحاجة] النساء إليها، كذلك أمرهن بالطاعة، خصوصاً الصلاة والزكاة، اللتان يحتاجهما ويضطر إليهما كل أحد، وهما أكبر العبادات، وأجل الطاعات، وفي الصلاة الإخلاص للمعبود، وفي الزكاة الإحسان إلى العبيد.

السابقالتالي
2