الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } * { وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ يٰأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَٱرْجِعُواْ وَيَسْتَئْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً } * { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً } * { وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مَسْئُولاً }

{ وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً }. وهذه عادة المنافق عند الشدة والمحنة، لا يثبت إيمانه، وينظر بعقله القاصر، إلى الحالة القاصرة، ويصدق ظنه. { وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ } من المنافقين، بعد ما جزعوا وقلَّ صبرهم، وصاروا أيضاً من المُخْذَّلين، فلا صبروا بأنفسهم، ولا تركوا الناس من شرهم، فقالت هذه الطائفة: { يٰأَهْلَ يَثْرِبَ } يريدون: " يا أهل المدينة " ، فنادوهم باسم الوطن المنبئ [عن التسمية]، فيه إشارة إلى أن الدين والأخوة الإيمانية، ليس له في قلوبهم قدر، وأن الذي حملهم على ذلك، مجرد الخور الطبيعي. { يٰأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ } أي: في موضعكم الذي خرجتم إليه خارج المدينة، وكانوا عسكروا دون الخندق وخارج المدينة، { فَٱرْجِعُواْ } إلى المدينة، فهذه الطائفة تخذل عن الجهاد، وتبين أنهم لا قوة لهم بقتال عدوهم، ويأمرونهم بترك القتال، فهذه الطائفة أشرّ الطوائف وأضرها، وطائفة أخرى دونهم، أصابهم الجبن والجزع، وأحبوا أن ينخزلوا عن الصفوف، فجعلوا يعتذرون بالأعذار الباطلة، وهم الذين قال اللّه فيهم: { وَيَسْتَئْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ } أي: عليها الخطر، ونخاف عليها أن يهجم عليها الأعداء، ونحن غُيَّبٌ عنها، فَأْذَنْ لنا نرجع إليها، فنحرسها، وهم كذبة في ذلك. { وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ } أي: ما قصدهم { إِلاَّ فِرَاراً } ولكن جعلوا هذا الكلام وسيلة وعذراً. [لهم] فهؤلاء قلَّ إيمانهم، وليس له ثبوت عند اشتداد المحن. { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ } المدينة { مِّنْ أَقْطَارِهَا } أي: لو دخل الكفار إليها من نواحيها، واستولوا عليها - لا كان ذلك - { ثُمَّ } سئل هؤلاء { ٱلْفِتْنَةَ } أي: الانقلاب عن دينهم، والرجوع إلى دين المستولين المتغلبين { لآتَوْهَا } أي: لأعطوها مبادرين. { وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً } أي: ليس لهم منعة ولا تَصلُّبٌ على الدين، بل بمجرد ما تكون الدولة للأعداء، يعطونهم ما طلبوا، ويوافقونهم على كفرهم، هذه حالهم. والحال أنهم قد { عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مَسْئُولاً } سيسألهم عن ذلك العهد، فيجدهم قد نقضوه، فما ظنهم إذًاً بربهم؟