الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } * { وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

لما ذكر تعالى رجوعهم إليه يوم القيامة، ذكر حالهم في مقامهم بين [يديه]، فقال: { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ } الذين أصروا على الذنوب العظيمة، { نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ } خاشعين خاضعين أذلاء، مقرين بجرمهم، سائلين الرجعة قائلين: { رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا } أي: بان لنا الأمر، ورأيناه عياناً، فصار عين يقين. { فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } أي: صار عندنا الآن يقين بما [كنا] نكذب به، أي: لرأيت أمراً [فظيعاً]، وحالاً مزعجة، وأقواماً خاسرين، وسؤلاً غير مجاب، لأنه قد مضى وقت الإمهال. وكل هذا بقضاء اللّه وقدره، حيث خلى بينهم وبين الكفر والمعاصي، فلهذا قال: { وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } أي: لهدينا الناس كلهم، وجمعناهم على الهدى، فمشيئتنا صالحة لذلك، ولكن الحكمة تأبى أن يكونوا كلهم على الهدى، ولهذا قال: { وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي } أي: وجب، وثبت ثبوتاً لا تغير فيه. { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } فهذا الوعد لا بد منه، ولا محيد عنه، فلا بد من تقرير أسبابه من الكفر والمعاصي. { فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ } أي: يقال للمجرمين الذين ملكهم الذل، وسألوا الرجعة إلى الدنيا، ليستدركوا ما فاتهم، قد فات وقت الرجوع ولم يبق إلا العذاب، فذوقوا العذاب الأليم، بما نسيتم لقاء يومكم هذا، وهذا النسيان نسيان ترك، أي: بما أعرضتم عنه وتركتم العمل له، وكأنكم غير قادمين عليه، ولا ملاقيه. { إِنَّا نَسِينَاكُمْ } أي: تركناكم بالعذاب، جزاء من جنس عملكم، فكما نَسِيتُمْ نُسِيتُمْ، { وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ } أي: العذاب غير المنقطع، فإن العذاب إذا كان له أجل وغاية، كان فيه بعض التنفيس والتخفيف، وأما عذاب جهنم - أعاذنا اللّه منه - فليس فيه روح راحة، ولا انقطاع لعذابهم فيها. { بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } من الكفر والفسوق والمعاصي.