الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ ٱلنَّعِيمِ } * { خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

أي: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن } هو محروم مخذول { يَشْتَرِي } أي: يختار ويرغب رغبة من يبذل الثمن في الشيء. { لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ } أي: الأحاديث الملهية للقلوب، الصادَّة لها عن أجلِّ مطلوب. فدخل في هذا، كل كلام محرم، وكل لغو وباطل، وهذيان من الأقوال المرغبة في الكفر والفسوق والعصيان، ومن أقوال الرادين على الحق، المجادلين بالباطل ليدحضوا به الحق، ومن غيبة، ونميمة، وكذب، وشتم، وسب، ومن غناء ومزامير شيطان، ومن الماجريات الملهية، التي لا نفع فيها في دين ولا دنيا. فهذا الصنف من الناس، يشتري لهو الحديث عن هدي الحديث { لِيُضِلَّ } الناس { بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي: بعدما ضل بفعله، أضل غيره، لأن الإضلال، ناشئ عن الضلال. وإضلاله في هذا الحديث، صده عن الحديث النافع، والعمل النافع، والحق المبين، والصراط المستقيم. ولا يتم له هذا، حتى يقدح في الهدى والحق، ويتخذ آيات اللّه هزواً ويسخر بها، وبمن جاء بها، فإذا جمع بين مدح الباطل والترغيب فيه، والقدح في الحق والاستهزاء به وبأهله، أضل من لا علم عنده، وخدعه بما يوحيه إليه من القول الذي لا يميزه ذلك الضال ولا يعرف حقيقته. { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } بما ضلوا وأضلوا، واستهزؤوا [بآيات اللّه] وكذّبوا الحق الواضح. ولهذا قال { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا } ليؤمن بها وينقاد لها، { وَلَّىٰ مُسْتَكْبِراً } أي: أدبر إدبار مستكبر عنها، رادٍّ لها، ولم تدخل قلبه ولا أثرت فيه، بل أدبر عنها { كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا } بل { كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً } أي: صمماً لا تصل إليه الأصوات، فهذا لا حيلة في هدايته. { فَبَشِّرْهُ } بشارة تؤثر في قلبه الحزن والغم، وفي بشرته السوء والظلمة والغبرة. { بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } مؤلم لقلبه ولبدنه، لا يقادر قدره، ولا يدرى بعظيم أمره، وهذه بشارة أهل الشر، فلا نِعْمَتِ البشارة. وأما بشارة أهل الخير فقال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } جمعوا بين عبادة الباطن بالإيمان، والظاهر بالإسلام، والعمل الصالح. { لَهُمْ جَنَّاتُ ٱلنَّعِيمِ } بشارة لهم بما قدموه، وقرئ لهم بما أسلفوه. { خَالِدِينَ فِيهَا } أي: في جنات النعيم، نعيم القلب والروح، والبدن. { وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً } لا يمكن أن يخلف ولا يغير ولا يتبدل. { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } كامل العزة، كامل الحكمة، من عزته وحكمته، وفِّق مَنْ وفِّق، وخذل مَنْ خذل، بحسب ما اقتضاه علمه فيهم وحكمته.