الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأَمُورِ } * { وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ }

{ وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى ٱللَّهِ } أي: يخضع له وينقاد له بفعل الشرائع مخلصاً له دينه. { وَهُوَ مُحْسِنٌ } في ذلك الإسلام بأن كان عمله مشروعاً، قد اتبع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم. أو: ومن يسلم وجهه إلى اللّه، بفعل جميع العبادات، وهو محسن فيها، بأن يعبد اللّه كأنه يراه، فإن لم يكن يراه، فإنه يراه. أو ومن يسلم وجهه إلى اللّه، بالقيام بحقوقه، وهو محسن إلى عباد اللّه، قائم بحقوقهم. والمعاني متلازمة، لا فرق بينها إلاّ من جهة [اختلاف] مورد اللفظتين، وإلاّ فكلها متفقة على القيام بجميع شرائع الدين، على وجه تقبل به وتكمل، فمن فعل ذلك فقد أسلم و { ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ } أي: بالعروة التي مَنْ تمسك بها، توثق ونجا، وسلم من الهلاك، وفاز بكل خير. ومَنْ لم يسلم وجهه للّه، أو لم يحسن لم يستمسك بالعروة الوثقى، وإذا لم يستمسك بالعروة الوثقى، لم يكن ثَمَّ إلا الهلاك والبوار. { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأَمُورِ } أي: رجوعها وموئلها ومنتهاها، فيحكم في عباده، ويجازيهم بما آلت إليه أعمالهم، ووصلت إليه عواقبهم، فليستعدوا لذلك الأمر. { وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ } لأنك أديت ما عليك، من الدعوة والبلاغ، فإذا لم يهتد، فقد وجب أجرك على اللّه، ولم يبق للحزن موضع على عدم اهتدائه، لأنه لو كان فيه خير لهداه اللّه. ولا تحزن أيضاً، على كونهم تجرؤوا عليك بالعداوة ونابذوك المحاربة، واستمروا على غيهم وكفرهم، ولا تتحرق عليهم بسبب أنهم ما بودروا بالعذاب. فإن { إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوۤاْ } من كفرهم وعداوتهم، وسعيهم في إطفاء نور اللّه وأذى رسله. { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } التي ما نطق بها الناطقون، فكيف بما ظهر، وكان شهادة؟!! { نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً } في الدنيا، ليزداد إثمهم، ويتوفر عذابهم، { ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ } أي: [نلجئهم] { إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ } أي: انتهى في عظمه وكبره، وفظاعته وألمه وشدته.