الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ } * { أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ ٱلأَرْضَ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ ٱلسُّوۤأَىٰ أَن كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ }

أي: أفلم يتفكر هؤلاء المكذبون لرسل اللّه ولقائه { فِيۤ أَنفُسِهِمْ } فإن في أنفسهم آيات يعرفون بها، أن الذي أوجدهم من العدم، سيعيدهم بعد ذلك، وأن الذي نقلهم أطواراً من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى آدمي، قد نفخ فيه الروح، إلى طفل، إلى شاب، إلى شيخ، إلى هرم، غير لائق أن يتركهم سدى مهملين، لا ينهون ولا يؤمرون، ولا يثابون ولا يعاقبون. { مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } [أي] ليبلوكم أيكم أحسن عملاً. { وَأَجَلٍ مُّسَمًّى } أي: مؤقت بقاؤهما إلى أجل تنقضي به الدنيا، وتجيء به القيامة، وتبدل الأرض غير الأرض والسماوات. { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ } فلذلك لم يستعدوا للقائه، ولم يصدقوا رسله التي أخبرت به، وهذا الكفر عن غير دليل، بل الأدلة القاطعة، قد دلّت على البعث والجزاء، ولهذا نبههم على السير في الأرض، والنظر في عاقبة الذين كذّبوا رسلهم وخالفوا أمرهم، ممن هم أشد من هؤلاء قوة، وأكثر آثاراً في الأرض، من بناء قصور ومصانع، ومن غرس أشجار، ومن زرع وإجراء أنهار، فلم تغن عنهم قوتهم، ولا نفعتهم آثارهم، حين كذّبوا رسلهم الذين جاؤوهم بالبينات الدالات على الحق، وصحة ما جاؤوهم به، فإنهم حين ينظرون في آثار أولئك، لم يجدوا إلا أُمماً بائدة، وخلقاً مهلكين، ومنازل بعدهم موحشة، وذم من الخلق عليهم متتابع. وهذا جزاء معجل، نموذج للجزاء الأخروي ومبتدأ له. وكل هذه الأمم المهلكة، لم يظلمهم اللّه بذلك الإهلاك، وإنما ظلموا أنفسهم، وتسببوا في هلاكها. { ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ ٱلسُّوۤأَىٰ } أي: الحالة السيئة الشنيعة، وصار ذلك داعياً لهم لأن { كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ } فهذا عقوبة لسوئهم وذنوبهم. ثم ذلك الاستهزاء والتكذيب، يكون سبباً لأعظم العقوبات وأعضل المثلات.