الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ } * { بَلِ ٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ ٱلنَّاصِرِينَ } * { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ بِمَآ أَشْرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَىٰ ٱلظَّالِمِينَ }

وهذا نهي من الله للمؤمنين أن يطيعوا الكافرين من المنافقين والمشركين، فإنهم إن أطاعوهم لم يريدوا لهم إلا الشر، وهم [قصدهم] ردهم إلى الكفر الذي عاقبته الخيبة والخسران. ثم أخبر أنه مولاهم وناصرهم، ففيه إخبار لهم بذلك، وبشارة بأنه سيتولى أمورهم بلطفه، ويعصمهم من أنواع الشرور. وفي ضمن ذلك الحث لهم على اتخاذه وحده ولياً وناصراً من دون كل أحد، فمن ولايته ونصره لهم أنه وعدهم أنه سيلقي في قلوب أعدائهم من الكافرين الرعب، وهو الخوف العظيم الذي يمنعهم من كثير من مقاصدهم، وقد فعل تعالى. وذلك أن المشركين - بعدما انصرفوا من وقعة " أحد " - تشاوروا بينهم، وقالوا: كيف ننصرف، بعد أن قتلنا منهم من قتلنا، وهزمناهم ولما نستأصلهم؟ فهموا بذلك، فألقى الله الرعب في قلوبهم، فانصرفوا خائبين، ولا شك أن هذا من أعظم النصر، لأنه قد تقدم أن نصر الله لعباده المؤمنين لا يخرج عن أحد أمرين: إما أن يقطع طرفاً من الذين كفروا، أو يكبتهم فينقلبوا خائبين، وهذا من الثاني. ثم ذكر السبب الموجب لإلقاء الرعب في قلوب الكافرين، فقال: { بِمَآ أَشْرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } أي: ذلك بسبب ما اتخذوا من دونه من الأنداد والأصنام، التي اتخذوها على حسب أهوائهم وإرادتهم الفاسدة، من غير حجة ولا برهان، وانقطعوا من ولاية الواحد الرحمن، فمن ثم كان المشرك مرعوباً من المؤمنين، لا يعتمد على ركن وثيق، وليس له ملجأ عند كل شدة وضيق، هذا حاله في الدنيا، وأما في الآخرة فأشد وأعظم، ولهذا قال: { وَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ } أي: مستقرهم الذي يأوون إليه وليس لهم عنها خروج، { وَبِئْسَ مَثْوَىٰ ٱلظَّالِمِينَ } بسبب ظلمهم وعدوانهم صارت النار مثواهم.