الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ } * { قَالَ يٰقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { قَالُواْ ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } * { وَكَانَ فِي ٱلْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } * { قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } * { وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ } * { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوۤاْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { وَأَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ }

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ } إلى آخر القصة. يخبر تعالى أنه أرسل إلى ثمود القبيلة المعروفة، أخاهم في النسب صالحاً، وأنه أمرهم أن يعبدوا الله وحده، ويتركوا الأنداد والأوثان، { فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ } منهم المؤمن، ومنهم الكافر، وهم معظمهم. { قَالَ يٰقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ } أي: لم تبادرون فعل السيئات وتحرصون عليها، قبل فعل الحسنات، التي بها تحسن أحوالكم وتصلح أموركم الدينية والدنيوية؟ والحال أنه لا موجب لكم إلى الذهاب لفعل السيئات؟. { لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ ٱللَّهَ } بأن تتوبوا من شرككم وعصيانكم، وتدعوه أن يغفر لكم، { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } فإن رحمة الله تعالى قريب من المحسنين، والتائب من الذنوب، هو من المحسنين. { قَالُواْ } لنبيهم صالح، مكذبين ومعارضين: { ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ } زعموا - قبحهم الله - أنهم لم يروا على وجه صالح خيراً، وأنه هو ومن معه من المؤمنين، صاروا سبباً لمنع بعض مطالبهم الدنيوية، فقال لهم صالح: { طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ } أي: ما أصابكم إلا بذنوبكم، { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } بالسراء والضراء، والخير والشر، لينظر هل تقلعون وتتوبون، أم لا؟ فهذا دأبهم في تكذيب نبيهم وما قابلوه به. { وَكَانَ فِي ٱلْمَدِينَةِ } التي فيها صالح، الجامعة لمعظم قومه { تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } أي: وصفهم الإفساد في الأرض، ولا لهم قصد ولا فعل بالإصلاح، قد استعدوا لمعاداة صالح والطعن في دينه، ودعوة قومهم إلى ذلك، كما قال تعالى:فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَلاَ تُطِيعُوۤاْ أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ * ٱلَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } [الشعراء: 150-152]. فلم يزالوا بهذه الحال الشنيعة، حتى إنهم من عداوتهم { تَقَاسَمُواْ } فيما بينهم، كل واحد أقسم للآخر: { لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ } أي نأتيه ليلاً، هو وأهله، فلنقتلنهم، { ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ } إذا قام علينا، وادعى علينا أنا قتلناه، ننكر ذلك، وننفيه ونحلف { وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } فتواطؤوا على ذلك، { وَمَكَرُواْ مَكْراً } دبروا أمرهم على قتل صالح وأهله، على وجه الخفية، حتى [من] قومهم، خوفاً من أوليائه، { وَمَكَرْنَا مَكْراً } بنصر نبينا صالح عليه السلام، وتيسير أمره، وإهلاك قومه المكذبين { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }. { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ } هل حصل مقصودهم؟ وأدركوا بذلك المكر مطلوبهم، أم انتقض عليهم الأمر، ولهذا قال: { أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ } أهلكناهم، واستأصلنا شأفتهم، فجاءتهم صيحة عذاب، فأهلكوا عن آخرهم. { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً } قد تهدمت جدرانها على سقوفها، وأوحشت من ساكنيها، وعطلت من نازليها، { بِمَا ظَلَمُوۤاْ } أي: هذا عاقبة ظلمهم وشركهم بالله، وبغيهم في الأرض. { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } الحقائق، ويتدبرون وقائع الله، في أوليائه وأعدائه، فيعتبرون بذلك، ويعلمون أن عاقبة الظلم الدمار والهلاك، وأن عاقبة الإيمان والعدل النجاة والفوز. ولهذا قال: { وَأَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } أي: أنجينا المؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وكانوا يتقون الشرك بالله والمعاصي، ويعملون بطاعته وطاعة رسله.