الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ } * { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } * { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَآ آمِنِينَ } * { فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ } * { وَتَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ } * { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { وَلاَ تُطِيعُوۤاْ أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } * { قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ } * { مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { قَالَ هَـٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } * { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ } * { فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ ٱلْمُرْسَلِينَ } إلى آخر القصة { كَذَّبَتْ ثَمُودُ } القبيلة المعروفة في مدائن الحجر { ٱلْمُرْسَلِينَ } كذبوا صالحاً عليه السلام، الذي جاء بالتوحيد، الذي دعت إليه المرسلون، فكان تكذيبهم له تكذيباً للجميع. { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ } في النسب، برفق ولين: { أَلا تَتَّقُونَ } الله تعالى، وتدعون الشرك والمعاصي { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ } من الله ربكم، أرسلني إليكم، لطفاً بكم ورحمة، فتلقوا رحمته بالقبول، وقابلوها بالإذعان، { أَمِينٌ } تعرفون ذلك مني، وذلك يوجب عليكم أن تؤمنوا بي وبما جئت به. { وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } فتقولون: يمنعنا من اتباعك، أنك تريد أخذ أموالنا، { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي: لا أطلب الثواب إلا منه. { أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَآ آمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ } أي نضيد كثير. أي: أتحسبون أنكم تتركون في هذه الخيرات والنعم سُدًى، تتنعمون وتتمتعون كما تتمتع الأنعام وتتركون سُدى، لا تؤمرون، ولا تنهون، وتستعينون بهذه النعم على معاصي الله، { وَتَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ } أي بلغت بكم الفراهة والحذق إلى أن اتخذتم بيوتاً من الجبال الصم الصلاب. { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَلاَ تُطِيعُوۤاْ أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ } الذين تجاوزوا الحد، { ٱلَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } أي الذين وصفهم ودأبهم الإفساد في الأرض، بعمل المعاصي والدعوة إليها، إفساداً لا إصلاح فيه، وهذا أضر ما يكون، لأنه شر محض، وكأن أناساً عندهم مستعدون لمعارضة نبيهم، موضعون في الدعوة لسبيل الغي، فنهاهم صالح عن الاغترار بهم، ولعلهم الذين قال الله فيهم:وَكَانَ فِي ٱلْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } [النمل: 48] فلم يفد فيهم هذا النهي والوعظ شيئاً، فقالوا لصالح { إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ } أي قد سحرت فأنت تهذي بما لا معنى له. { مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } فأي: فضيلة فقتنا بها، حتى تدعونا إلى اتباعك؟ { فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } هذا، مع أن مجرد اعتبار حالته وحالة ما دعا إليه، من أكبر الآيات البينات على صحة ما جاء به وصدقه، ولكنهم من قسوتهم، سألوا آيات الاقتراح، التي في الغالب لا يفلح من طلبها، لكون طلبه مبنياً على التعنت لا على الاسترشاد. فقال صالح { هَـٰذِهِ نَاقَةٌ } تخرج من صخرة صماء ملساء ترونها وتشاهدونها بأجمعكم، { لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } أي تشرب ماء البئر يوماً، وأنتم تشربون لبنها، ثم تصدر عنكم اليوم الآخر، وتشربون أنتم ماء البئر. { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ } بعقر أو غيره { فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ } فخرجت واستمرت عندهم بتلك الحال، فلم يؤمنوا، واستمروا على طغيانهم { فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ * فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ } وهي صيحة نزلت عليهم، فدمرتهم أجمعين، { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } على صدق ما جاءت به رسلنا، وبطلان قول معارضيهم، { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }.