الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً } * { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً }

كرر تعالى في هذه السورة الكريمة قوله: { تَبَارَكَ } ثلاث مرات، لأن معناها كما تقدم، أنها تدلّ على عظمة الباري، وكثرة أوصافه، وكثرة خيراته وإحسانه. وهذه السورة، فيها من الاستدلال على عظمته، وسعة سلطانه، ونفوذ مشيئته، وعموم علمه وقدرته، وإحاطة ملكه في الأحكام الأمرية والأحكام الجزائية وكمال حكمته. وفيها، ما يدل على سعة رحمته، وواسع جوده، وكثرة خيراته، الدينية والدنيوية، ما هو مقتض لتكرار هذا الوصف الحسن، فقال: { تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً } وهي النجوم عمومها، أو منازل الشمس والقمر التي تنزلها منزلة منزلة، وهي بمنزلة البروج والقلاع للمدن في حفظها، كذلك النجوم بمنزلة البروج المجعولة للحراسة، فإنها رجوم للشياطين. { وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً } فيه النور والحرارة، وهو: الشمس. { وَقَمَراً مُّنِيراً } فيه النور، لا الحرارة، وهذا من أدلة عظمته، وكثرة إحسانه، فإن ما فيها من الخلق الباهر، والتدبير المنتظم، والجمال العظيم، دال على عظمة خالقها في أوصافه كلها، وما فيها من المصالح للخلق والمنافع، دليل على كثرة خيراته. { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً } أي: يذهب أحدهما، فيخلفه الآخر، هكذا أبداً، لا يجتمعان، ولا يرتفعان، { لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً } أي: لمن أراد أن يتذكر بهما ويعتبر ويستدل بهما، على كثير من المطالب الإلهية، ويشكر الله على ذلك، ولمن أراد أن يذكر الله ويشكره، وله وردٌ من الليل أو النهار، فمن فاته وِرْدُه من أحدهما، أدركه في الآخر، وأيضاً فإن القلوب تتقلب وتنتقل في ساعات الليل والنهار، فيحدث لها النشاط والكسل، والذكر والغفلة، والقبض والبسط، والإقبال والإعراض، فجعل الله الليل والنهار، يتوالى على العباد ويتكرران ليحدث لهم الذكر والنشاط، والشكر لله في وقت آخر، ولأن أوراد العبادات، تتكرر بتكرر الليل والنهار، فكما تكررت الأوقات، أحدث للعبد همة غير همته التي كسلت في الوقت المتقدم، فزاد في تذكرها وشكرها، فوظائف الطاعات بمنزلة سقْي الإيمان الذي يمده، فلولا ذلك لذوى غرس الإيمان ويبس. فلله أتم حمد وأكمله على ذلك. ثم ذكر من جملة كثرة خيره، منته على عباده الصالحين، وتوفيقهم للأعمال الصالحات، التي أكسبتهم المنازل العاليات، في غرف الجنات فقال: { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا... }.