الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً } * { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } * { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } * { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً }

أي: وإذا رآك يا محمد هؤلاء المكذبون لك المعاندون لآيات [الله]، المستكبرون في الأرض، استهزؤوا بك واحتقروك، وقالوا - على وجه الاحتقار والاستصغار -: { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً } أي: غير مناسب ولا لائق، أن يبعث الله هذا الرجل، وهذا من شدة ظلمهم وعنادهم، وقلبهم الحقائق، فإن كلامهم هذا يفهم أن الرسول - حاشاه - في غاية الخسة والحقارة، وأنه لو كانت الرسالة لغيره، لكان أنسب.وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف: 31] فهذا الكلام، لا يصدر إلا من أجهل الناس وأضلهم، أو من أعظمهم عناداً، وهو متجاهل، قصده ترويج ما معه من الباطل بالقدح بالحق وبمن جاء به، وإلا فمن تدبر أحوال محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وجده رجل العالم وهمامهم، ومقدمهم في العقل، والعلم، واللب، والرزانة، ومكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم، والعفة، والشجاعة، والكرم، وكل خُلُقٍ فاضلٍ، وأن المحتقر له، والشانئ له، قد جمع من السفه والجهل، والضلال، والتناقض، والظلم، والعدوان، ما لا يجمعه غيره، وحسبه جهلاً وضلالاً، أن يقدح بهذا الرسول العظيم، والهمام الكريم. والقصد من قدحهم فيه واستهزائهم به، تصلُّبُهم على باطلهم، وغروراً لضعفاء العقول، ولهذا قالوا: { إِن كَادَ } هذا الرجل { لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا } بأن يجعل الآلهة إلهاً واحداً { لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا } لأضلنا، زعموا - قبحهم الله - أن الضلال هو التوحيد، وأن الهدى ما هم عليه من الشرك، فلهذا تواصوا بالصبر عليه.وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ ٱمْشُواْ وَاْصْبِرُواْ عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ } [ص: 6]. وهنا قالوا: { آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا } والصبر يحمد في المواضع كلها، إلا في هذا الموضع، فإنه صبر على أسباب الغضب، وعلى الاستكثار من حطب جهنم. وأما المؤمنون، فهم كما قال الله عنهم:وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } [العصر: 3] ولما كان هذا حكماً منهم، بأنهم المهتدون والرسول ضال، وقد تقرر أنهم لا حيلة فيهم، توعدهم بالعذاب، وأخبر أنهم في ذلك الوقت { حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ } يعلمون علماً حقيقياً { مَنْ } هو { أَضَلُّ سَبِيلاً }وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً } الآيات [الفرقان: 27]. وهل فوق ضلال من جعل إلهه معبوده [هواه]، فما هويه فعله، فلهذا قال: { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } ألا تعجب من حاله، وتنظر ما هو فيه من الضلال؟ وهو يحكم لنفسه بالمنازل الرفيعة؟ { أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } أي: لست عليه بمسيطر مسلط، بل إنما أنت منذر، وقد قمت بوظيفتك، وحسابه على الله. ثم سجل تعالى على ضلالهم البليغ، بأن سلبهم العقول والأسماع، وشبههم في ضلالهم بالأنعام السائمة، التي لا تسمع إلا دعاء ونداء، صم بكم عمي فهم لا يعقلون، بل هم أضل من الأنعام، لأن الأنعام يهديها راعيها فتهتدي، وتعرف طريق هلاكها فتجتنبه، وهي أيضاً أسلم عاقبة من هؤلاء، فتبين بهذا، أن الرامي للرسول بالضلال أحق بهذا الوصف، وأن كل حيوان بهيم فهو أهدى منه.