الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً } * { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى ٱلْكَافِرِينَ عَسِيراً } * { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً } * { يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً } * { لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً }

يخبر تعالى عن عظمة يوم القيامة، وما فيه من الشدة والكروب، ومزعجات القلوب فقال: { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ } وذلك الغمام الذي ينزل الله فيه، ينزل من فوق السماوات، فتنفطر له السماوات وتشقق، وتنزل ملائكة كل سماء فيقفون صفاً صفاً، إما صفاً واحداً محيطاً بالخلائق، وإما كل سماء، يكونون صفاً، ثم السماء التي تليها صفاً، وهكذا. القصد أن الملائكة - على كثرتهم وقوتهم - ينزلون محيطين بالخلق، مذعنين لأمر ربهم، لا يتكلم منهم أحد إلا بإذن من الله، فما ظنك بالآدمي الضعيف، خصوصاً الذي بارز مالكه بالعظائم، وأقدم على مساخطه، ثم قدم عليه بذنوب وخطايا لم يتب منها، فيحكم فيه الملك الحق بالحكم الذي لا يجور، ولا يظلم مثقال ذرة، ولهذا قال: { وَكَانَ يَوْماً عَلَى ٱلْكَافِرِينَ عَسِيراً } لصعوبته الشديدة، وتعسر أموره عليه، بخلاف المؤمن، فإنه يسير عليه، خفيف الحمل.يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً * وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً } [مريم: 85-86]. وقوله: { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ } أي: يوم القيامة { ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ } لا يبقى لأحد من المخلوقين، مُلْكَّ ولا صورة مُلْكٍ، كما كانوا في الدنيا، بل قد تساوت الملوك ورعاياهم، والأحرار والعبيد، والأشراف وغيرهم، ومما يرتاح له القلب، وتطمئن به النفس، وينشرح له الصدر، أن أضاف الملك في يوم القيامة لاسمه " الرحمن " الذي وسعت رحمته كل شيء، وعمت كل حي، وملأت الكائنات، وعمرت بها الدنيا والآخرة، وتم بها كل ناقص، وزال بها كل نقص، وغلبت الأسماء الدالة عليه الأسماء الدالة على الغضب، وسبقت رحمته غضبه وغلبته، فلها السبق والغلبة، وخلق هذا الآدمي الضعيف وشرَّفه وكرَّمه، ليتم عليه نعمته، وليتغمده برحمته، وقد حضروا في موقف الذل والخضوع والاستكانة بين يديه، ينتظرون ما يحكم فيهم وما يجري عليهم، وهو أرحم بهم من أنفسهم ووالديهم، فما ظنك بما يعاملهم به، ولا يهلك على الله إلا هالك، ولا يخرج من رحمته إلا من غلبت عليه الشقاوة، وحقت عليه كلمة العذاب. { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ } بشركه وكفره، وتكذيبه للرسل { عَلَىٰ يَدَيْهِ } تأسفاً، وتحسراً، وحزناً، وأسفاً. { يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً } أي طريقاً بالإيمان به، وتصديقه واتباعه. { يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً } وهو الشيطان الإنسي أو الجني، { خَلِيلاً } أي: حبيباً مصافياً، عاديت أنصح الناس لي، وأبرهم بي، وأرفقهم بي، وواليت أعدى عدو لي، الذي لم تفدني ولايته، إلا الشقاء والخسار والخزي والبوار. { لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي } حيث زين له ما هو عليه من الضلال، بخدعه وتسويله. { وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً } يزين له الباطل، ويقبح له الحق، ويعده الأماني، ثم يتخلى عنه ويتبرأ منه، كما قال لجميع أتباعه، حين قضي الأمر، وفرغ الله من حساب الخلق،وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ } الآية [إبراهيم: 22]. فلينظر العبد لنفسه وقت الإمكان، ولْيَتدارك الممكن قبل أن لا يمكن، ولْيُوالِ مَن ولايته فيها سعادته، وليعاد من تنفعه عداوته، وتضره صداقته. والله الموفق.