الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً } * { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً } * { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً }

أي: قال المكذبون للرسول، المكذبون بوعد الله ووعيده، الذين ليس في قلوبهم خوف الوعيد، ولا رجاء لقاء الخالق. { لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا } أي: هلا نزلت الملائكة، تشهد لك بالرسالة، وتؤيدك عليها، أو تنزل رسلاً مستقلين، أو نرى ربنا فيكلمنا، ويقول: هذا رسولي فاتبعوه؟ وهذا معارضة للرسول بما ليس بمعارض، بل بالتكبر والعلو والعتو. { لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ } حيث اقترحوا هذا الاقتراح، وتجرؤوا هذه الجرأة، فمن أنتم يا فقراء، ويا مساكين، حتى تطلبوا رؤية الله، وتزعموا أن الرسالة متوقف ثبوتها على ذلك؟ وأي كبر أعظم من هذا؟ { وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً } أي: قسوا وصلبوا عن الحق قساوة عظيمة، فقلوبهم أشد من الأحجار، وأصلب من الحديد، لا تلين للحق، ولا تصغي للناصحين، فلذلك لم ينجع فيهم وعظ ولا تذكير، ولا اتبعوا الحق حين جاءهم النذير، بل قابلوا أصدق الخلق وأنصحهم، وآيات الله البينات، بالإعراض والتكذيب والمعارضة، فأي عتو أكبر من هذا العتو؟!! ولذلك، بطلت أعمالهم واضمحلت، وخسروا أشد الخسران، وحرموا غاية الحرمان. { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ } التي اقترحوا نزولها { لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ } وذلك أنهم لا يرونها، مع استمرارهم على جرمهم وعنادهم، إلا لعقوبتهم، وحلول البأس بهم، فأول ذلك عند الموت، إذا تنزلت عليهم الملائكة، قال الله تعالى:وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } [الأنعام: 93]. ثم في القبر، حيث يأتيهم منكر ونكير، فيسألهم عن ربهم ونبيهم ودينهم، فلا يجيبون جواباً ينجيهم، فيحلون بهم النقمة، وتزول عنهم بهم الرحمة، ثم يوم القيامة، حين تسوقهم الملائكة إلى النار، ثم يسلمونهم لخزنة جهنم، الذين يتولون عذابهم، ويباشرون عقابهم، فهذا الذي اقترحوه، وهذا الذي طلبوه، إن استمروا على إجرامهم لا بد أن يروه ويلقوه، وحينئذ يتعوذون من الملائكة، ويفرون، ولكن لا مفر لهم. { وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً }يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ } [الرحمن: 33]. { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ } أي: أعمالهم التي رجوا أن تكون خيراً لهم وتعبوا فيها، { فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } أي: باطلاً مضمحلاً، قد خسروه وحرموا أجره، وعوقبوا عليه، وذلك لفقده الإيمان، وصدوره عن مكذب لله ورسله، فالعمل الذي يقبله الله، ما صدر عن المؤمن المخلص، المصدق للرسل المتبع لهم فيه.