الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } * { قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً } * { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي ٱلأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً }

يخبر تعالى عن حالة المشركين وشركائهم يوم القيامة، وتبرِّيهم منهم، وبطلان سعيهم، فقال: { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ } أي: المكذبين المشركين { وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ } الله مخاطباً للمعبودين على وجه التقريع لمن عبدهم: { أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } هل أمرتموهم بعبادتكم، وزينتم لهم ذلك، أم ذلك من تلقاء أنفسهم؟ { قَالُواْ سُبْحَانَكَ } نزهوا الله عن شرك المشركين به، وبرؤوا أنفسهم من ذلك، { مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ } أي: لا يليق بنا، ولا يحسن منا، أن نتخذ من دونك من أولياء نتولاهم، ونعبدهم وندعوهم، فإذا كنا محتاجين ومفتقرين إلى عبادتك، متبرئين من عبادة غيرك، فكيف نأمر أحداً بعبادتنا؟ هذا لا يكون. أو، سبحانك عن { أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ } وهذا كقول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام:وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ } الآية [المائدة: 116-117]. وقال تعالى:وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ } [سبأ: 40-41]وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } [الأحقاف: 6] فلما نزهوا أنفسهم، أن يدعوا لعبادة غير الله، أو يكونوا أضلوهم، ذكروا السبب الموجب لإضلال المشركين فقالوا: { وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ } في لذات الدنيا وشهواتها، ومطالبها النفسية، { حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ } اشتغالاً في لذات الدنيا، وإكباباً على شهواتها، فحافظوا على دنياهم، وضيعوا دينهم { وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً } أي: بائرين لا خير فيهم، ولا يصلحون لصالح، لا يصلحون إلا للهلاك والبوار، فذكروا المانع من اتباعهم الهدى، وهو التمتع في الدنيا، الذي صرفهم عن الهدى، وعدم المقتضي للهدى، وهو: أنهم لا خير فيهم، فإذا عدم المقتضي، ووجد المانع، فلا تشاء من شر وهلاك، إلا وجدته فيهم، فلما تبرؤوا منهم، قال الله توبيخاً وتقريعاً للعابدين: { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ } إنهم أمروكم بعبادتهم، ورضوا فعلكم، وأنهم شفعاء لكم عند ربكم، كذبوكم في ذلك الزعم، وصاروا من أكبر أعدائكم، فحق عليكم العذاب، { فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً } للعذاب عنكم بفعلكم، أو بفداء، أو غير ذلك، { وَلاَ نَصْراً } لعجزكم، وعدم ناصركم. هذا حكم الضالين المقلدين الجاهلين، كما رأيت أسوأ حكم، وأشر مصير. وأما المعاند منهم، الذي عرف الحق وصدف عنه، فقال في حقه: { وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ } بترك الحق ظلماً وعناداً { نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً } لا يقادر قدره، ولا يبلغ أمره.

السابقالتالي
2