الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً } * { أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً } * { ٱنظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً } * { تَبَارَكَ ٱلَّذِيۤ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً } * { بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً } * { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } * { وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً } * { لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَٱدْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً }

هذا من مقالة المكذبين للرسول، الذين قدحوا بها في رسالته، وهو أنهم اعترضوا بأنه: هلا كان مَلَكاً أو مَلِكاً، أو يساعده مَلَكٌ، فقالوا: { مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ } أي: ما لهذا الذي ادعى الرسالة؟ تهكماً منهم واستهزاء. { يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ } وهذا من خصائص البشر، فهلا كان مَلَكاً لا يأكل الطعام، ولا يحتاج إلى ما يحتاج إليه البشر، { وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ } للبيع والشراء، وهذا - بزعمهم - لا يليق بمن يكون رسولاً مع أن الله قال:وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي ٱلأَسْوَاقِ } [الفرقان: 20]. { لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ } أي: هلا أنزل معه ملك يساعده ويعاونه، { فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً } وبزعمهم أنه غير كاف للرسالة ولا بطوقه وقدرته القيام بها. { أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ } أي: مال مجموع من غير تعب، { أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا } فيستغني بذلك عن مشيه في الأسواق لطلب الرزق. { وَقَالَ ٱلظَّالِمُونَ } حملهم على القول، ظلمهم لا اشتباه منهم، { إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً } هذا، وقد علموا كمال عقله وحسن حديثه، وسلامته من جميع المطاعن. ولما كانت هذه الأقوال منهم، عجيبة جداً، قال تعالى: { ٱنظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ } وهي: أنه هلاً كان مَلَكاً، وزالت عنه خصائص البشر؟ أو معه ملك، لأنه غير قادر على ما قال، أو أنزل عليه كنز، أو جعلت له جنة تغنيه عن المشي في الأسواق، أو أنه كان مسحوراً. { فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً } قالوا أقوالاً متناقضة، كلها جهل وضلال وسفه، ليس في شيء منها هداية، بل ولا في شيء منها أدنى شبهة تقدح في الرسالة، فبمجرد النظر إليها وتصورها، يجزم العاقل ببطلانها، ويكفيه عن ردها، ولهذا أمر تعالى بالنظر إليها وتدبرها والنظر: هل توجب التوقف عن الجزم للرسول بالرسالة والصدق؟ ولهذا أخبر أنه قادر على أن يعطيك خيراً كثيراً في الدنيا فقال: { تَبَارَكَ ٱلَّذِيۤ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذٰلِكَ } أي: خيراً مما قالوا، ثم فسره بقوله: { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً } مرتفعة مزخرفة، فقدرته ومشيئته، لا تقصر عن ذلك، ولكنه تعالى - لما كانت الدنيا عنده في غاية البعد والحقارة - أعطى منها أولياءه ورسله، ما اقتضته حكمته منها، واقتراح أعدائهم بأنهم، هلا رزقوا منها رزقاً كثيراً جداً، ظلم وجراءة. ولما كانت تلك الأقوال التي قالوها معلومة الفساد، أخبر تعالى أنها لم تصدر منهم لطلب الحق، ولا لاتباع البرهان، وإنما صدرت منهم تعنتاً وظلماً، وتكذيباً بالحق، فقالوا ما بقلوبهم من ذلك، ولهذا قال: { بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ } والمكذب المتعنت، الذي ليس له قصد في اتباع الحق، لا سبيل إلى هدايته ولا حيلة في مجادلته، وإنما له حيلة واحدة وهي نزول العذاب به، فلهذا قال: { وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً } أي: ناراً عظيمة، قد اشتد سعيرها، وتغيظت على أهلها، واشتد زفيرها.

السابقالتالي
2